استراتيجيات التدريس وفق المقاربة بالكفايات
تُمثل المقاربة بالكفايات
(Competency-Based Approach - CBA) تحولاً
بيداغوجيًا جذريًا في المنظومات التعليمية، إذ تبتغي تجاوز جمود البيداغوجيات
التقليدية المتمركزة حول المحتوى (بيداغوجيا المحتوى) إلى نموذج يركز على المتعلم
كفاعل أساسي قادر على تجنيد المعارف والمهارات والمواقف في وضعيات معقدة وواقعية.
ويهدف هذا العمل إلى تقديم تحليل معمق لاستراتيجيات التدريس الحديثة التي تقتضيها
هذه المقاربة، معززاً بأمثلة تطبيقية توضيحية.
أولاً: الإطار المفاهيمي والتحول البيداغوجي
للمقاربة بالكفايات
1.1. مفهوم الكفاية وخصائصها الجوهرية
تُعرّف الكفاية بأنها مجموعة متكاملة ومترابطة
من القدرات والمهارات التي يكتسبها المتعلم في تفاعله مع موارد محددة وأنشطة
تعليمية داخل وخارج الفصل. وهي ليست مجرد معرفة تراكمية، بل قدرة على استثارة هذه
المعارف والمهارات والقيم (المواقف) في وضعيات محددة وجديدة.
تتميز الكفاية بكونها هدفًا كليًا وشموليًا،
خلافاً للنظرة الجزئية التي كانت تعتمدها النماذج السلوكية السابقة. ويقوم هذا
المفهوم على مبدأ التركيب (Complexité)،
حيث يتشكل من مجموعة مترابطة من الأهداف التي تُدمج معاً لأداء مهمة معقدة.
أنواع الكفايات: يمكن تصنيف الكفايات وفق نطاق
تطبيقها إلى:
الكفايات
النوعية (المحددة): وهي الكفايات المرتبطة بميدان معرفي أو
تخصص محدد، مثل الكفايات اللغوية أو العلمية التي تظهر في مادة معينة.
الكفايات
المستعرضة (العامة): وهي الأكثر أهمية في هذه المقاربة،
حيث تمتد عبر مختلف المجالات والتخصصات. تتضمن هذه الكفايات القدرة على حل
المشكلات، التفكير النقدي، التواصل الفعال، إضافة إلى الكفايات السوسيووجدانية
(مثل العمل الجماعي والتعاون). وفي ظل التطورات المعاصرة (الذكاء الاصطناعي
والبيانات الضخمة)، أضيفت كفايات حديثة مثل إدارة الذات، والمواطنة، والكفايات
التكنولوجية والرقمية المسؤولة.
1.2. الأسس الفلسفية والمرتكزات النظرية
تستند المقاربة بالكفايات إلى خلفيات نظرية
تربوية حديثة تهدف إلى تجاوز قصور المقاربات التقليدية، لا سيما "بيداغوجيا
المحتوى" القائمة على الطريقة الإلقائية والتلقين.
المرتكزات
الأساسية لهذه المقاربة هي:
النظرية البنائية والسوسيوبنائية: تتخذ المقاربة بالكفايات من النظرية البنائية
(Constructivism) والسوسيوبنائية أساسًا لها، مما يمنح
المتعلم الدور المركزي في بناء المعرفة. يتم التأكيد على أن التعلم ليس حدثًا
مفاجئًا، بل نتاج تفاعل مستمر يؤدي إلى تغيير في البناء المعرفي للمتعلم ونسقه
القيمي.
نظرية الجشطالت: تتفق المقاربة بالكفايات مع هذه النظرية في التصور الكلي للتعلم،
والتركيز على القدرة على حل المشكلات في سياق شامل، بدلاً من تجزئة المعارف إلى
سلوكات منفصلة.
بيداغوجيا الإدماج: الإدماج هو الجوهر الفعلي للكفاية. ويُعرّف بأنه السيرورة التي
يربط بها التلميذ معارفه السابقة بالجديدة، ويعيد بناء عالمه الداخلي، ويطبق
المكتسبات في وضعيات جديدة ملموسة. هذا يفرض على المعلم النظر إلى المحتوى المعرفي
كمورد يجب تشغيله وتوظيفه، وليس هدفًا بحد ذاته.
1.3. المقارنة التحليلية مع المقاربة بالأهداف (OBA)
تُظهر المقارنة بين المقاربة بالكفايات
والمقاربة بالأهداف مدى التحول البيداغوجي العميق المطلوب. لقد جاءت المقاربة
بالكفايات لتصحح مسار التدريس بالأهداف النابع من التيار السلوكي، والذي كان يركز
على تحديد الأهداف السلوكية القابلة للقياس المباشر.
إن أحد الآثار المترتبة على هذا التحول هو
إدراك أن الصعوبة الكبرى في تبني المقاربة بالكفايات تكمن ليس في تعريف الكفاية،
بل في تصميم أدوات قياس قادرة على تقييم مركب للمكتسبات في وضعية إدماجية. هذا
يتطلب الابتعاد عن التقويم الكمي البسيط والتوجه نحو التقويم الكيفي النوعي.
مقارنة تحليلية
بين المقاربة بالأهداف والمقاربة بالكفايات
ثانياً: الأدوار التربوية الجديدة ومتطلبات
الإدارة الصفية
يفرض التدريس بالكفايات إعادة تعريف لأدوار كل
من المعلم والمتعلم، حيث يصبح التركيز على التفاعل الإيجابي والبناء المشترك
للمعرفة.
2.1. الدور المحوري للمتعلم: فاعل ومنتج للمعرفة
صار المتعلم محورا أساسيا في العملية
التعليمية، وفق المنظور الفكري التربوي الحديث. يرتكز دوره على الإشراك الفعال في
البناء والتكوين المعرفي، مما يعزز تصوراته حول ذاته وقدراته على مواجهة المشكلات
وحلها بتجنيد مكتسباته. وتتطلب المقاربة بالكفايات أن يُمنح المتعلم استقلالية،
وحرية في اختيار مسار التعلم (مثل اختيار المشاريع)، ومراعاة الفروق الفردية
والخبرات الشخصية. إن الهدف هو تمكين الفرد من تعلم كيفية التصنيف، وإعادة
التصنيف، وتقييم صحة المعلومات، أي "تعلم كيف يتعلم".
2.2. دور المعلم المخطط والمُيسّر
يتطلب التحول نحو المقاربة بالكفايات انتقال
المعلم من دور الملقن إلى دور الوسيط والمُخطط والمُنشط والمُحفز. يتمثل دوره في
تفعيل عملية التعلم الذاتي عند المتعلم وتوجيهه.
إن هذا الدور الجديد يفرض على المعلم امتلاك
كفايات مهنية متقدمة، تشمل الكفايات المهنية العامة مثل التخطيط للدرس، إدارة
الفصل، مهارات استخدام الوسائل التعليمية، ومهارات التقويم والقياس. وفي سياق
استراتيجيات التعلم النشط، يظل دور المعلم توجيهيًا وداعمًا؛ فهو يوجه الطلاب نحو
خطوات حل المشكلة دون تقديم الحلول مباشرة، ويساعدهم على تنظيم الأفكار. يكمن
التحدي التربوي الدقيق هنا في إدارة التوتر بين السماح للمتعلم بالاكتشاف والخطأ
(متطلب بنائي) وضرورة توجيهه لضمان اكتساب الكفاية المحددة.
2.3. إدارة التفاعلات الصفية في ضوء المقاربة
بالكفايات
تُعد كفايات المعلم في إدارة الصف مفتاحًا
لنجاح تطبيق استراتيجيات الكفايات، التي تعتمد على التفاعل الجماعي والنشاط
المتنوع.
متطلبات
الإدارة الصفية الفعالة:
الروتين الثابت والنظام: تتضمن كفايات إدارة الصف وضع روتين ثابت وقوانين واضحة، مع توضيح
استجابات المعلم لسلوك الطالب لضمان نظام وأمن البيئة التعليمية.
البيئة المادية والأنشطة: يجب أن يُخطط المعلم بعناية للبيئة المادية للصف (تنظيم المقاعد،
الإضاءة، التهوية)، وأن يضمن تنوع الأنشطة الصفية بحيث تكون جاذبة ومثيرة، وتراعي
المستوى النمائي للطلاب، لتجنب فقدانهم للتركيز.
العلاقة التربوية: يتجاوز التغيير الاستراتيجيات ليطال العلاقة التربوية ذاتها
(التعليمية، النفسية، والاجتماعية). بناء هذه العلاقة بفاعلية هو أساس التعلم
النشط.
تشير بعض الدراسات إلى وجود فجوة في الممارسة؛
حيث إن مهارات مثل "مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب" و"إقناع
الطالبات بقواعد السلوك" تُمارس بدرجة متوسطة أو غير كافية. ولذلك، يجب أن
تُدمج برامج تدريب المعلمين كفايات الإدارة الصفية في "العصر الرقمي" ،
وتُدعم بالمتطلبات المادية والتقنية اللازمة.
ثالثاً: الاستراتيجيات التدريسية الموجهة
بالكفايات
تستدعي المقاربة بالكفايات التخلي عن الطرق
الإلقائية والاعتماد على بيداغوجيات نشطة وفعالة، تتمحور حول المتعلم وتعتمد على
ديناميكية الجماعات. وتعتبر استراتيجيات حل المشكلات والتعلم بالمشاريع الأكثر
تناسبًا مع هذه المقاربة نظرًا لكونها استراتيجيات مركبة تسمح بالإدماج.
3.1. استراتيجية بيداغوجيا حل المشكلات (PSL)
استراتيجية حل المشكلات هي نهج يركز على تطوير
مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب من خلال مواجهة مشكلات واقعية. إنها
تزود التلاميذ بالقدرات والاستعدادات الضرورية لإظهار مواهبهم وكفاءتهم. وتعد
"الوضعية المشكلة" هي حجر الزاوية، حيث تُعرف بأنها تحدٍ يتطلب حله
توظيف المعرفة المكتسبة ضمن سياق معين.
الخطوات
الإجرائية لحل المشكلات:
التقديم وجذب الاهتمام (التعريف): يقوم المعلم بطرح المشكلة وتوضيح أبعادها لجذب اهتمام المتعلمين.
تحليل المشكلة وتجزئتها: تقسيم المشكلة إلى عناصر أساسية لتبسيطها.
اقتراح الحلول المحتملة (الفرضيات): يتم تشجيع الطلاب على توليد استجابات أو حلول بديلة عديدة.
اختيار الحل الأنسب وتبريره: يتطلب هذا تقييمًا نقديًا للحلول المقترحة.
تطبيق الحل وتقويم النتائج: تنفيذ الحل المختار، ويشمل هذا توظيف أدوات ووسائل متعددة لإنجاز
المهام، بعيدًا عن التفاعل اللفظي المحدود.
3.2. استراتيجية التعلم القائم على المشاريع (PBL)
يُعتبر التعلم القائم على المشاريع من أهم طرق
التدريس الحديثة وأكثرها ملاءمة لمتطلبات القرن الحادي والعشرين. فهو يهدف إلى
تمكين الطلاب من تطبيق المعرفة المكتسبة في الحياة الواقعية، وتعزيز استقلاليتهم
ومسؤوليتهم، وتطوير مهارات البحث والتخطيط.
تتمركز هذه الاستراتيجية حول الطالب وتراعي
الفروق الفردية، مما يجعلها آلية ممتازة لتنمية الكفايات المستعرضة، وخاصة كفاية
الرقمنة. وفي ظل التطورات المتسارعة في التقنيات والذكاء الاصطناعي، أصبحت هذه
الاستراتيجية مثالية لتمكين الطلاب من توظيف الأدوات الرقمية والرزم الإحصائية
لإنجاز مهام مركبة.
الخطوات
الإجرائية لاستراتيجية التعلم القائم على المشاريع (PBL) في المقاربة بالكفايات
.3.
التعلم التعاوني والنشط (Cooperative and Active
Learning)
يعتبر التعلم
التعاوني أحد استراتيجيات التعلم النشط التي تركز على إشراك الطلاب في العمل
الجماعي لتحقيق أهداف تعليمية مشتركة. تكتسب هذه الاستراتيجية أهمية بالغة في
المقاربة بالكفايات، حيث إنها تنمي الكفايات الاجتماعية والسوسيووجدانية، مثل
الإنصات والتعبير وربط العلاقات.
إن التعاون
أساسي لضمان الإدماج الفعال للمكتسبات؛ إذ يتيح للطلاب فرصة تبادل الخبرات،
ومعالجة الأفكار، والعمل بروح الفريق، وهو ما يؤدي إلى مجتمع متماسك ونجاح اجتماعي
سليم. ولهذا السبب، يتطلب تطوير أي كفاية مستعرضة حتمية التنسيق بين معلمي
الميادين المعرفية ضمن مشاريع مشتركة.
يوضح الجدول
التالي أدوار المعلم المحورية في ظل هذه الاستراتيجيات:
دور المعلم في
استراتيجيات المقاربة بالكفايات
رابعاً: أمثلة تطبيقية مفصلة وسيناريوهات
بيداغوجية
تعكس الأمثلة التطبيقية كيف يتم تجنيد المعارف
المتعددة لحل وضعية واحدة، ما يسمى بـ "الوضعية المشكلة الدامجة".
4.1. مثال تطبيقي (1): تنمية كفاية حل المشكلات في
مادة العلوم (البيئة)
الكفاية المستهدفة: القدرة على تفسير ظاهرة بيئية معقدة (تلوث المياه) بتوظيف المعارف
العلمية، وتحليل البيانات الإحصائية، واقتراح حلول مستدامة.
الوضعية المشكلة الدامجة: يُقدم للطلاب تحدي يتعلق بارتفاع غير مبرر في نسبة التلوث البكتيري
في مصدر مياه محلي مهم. يُزود الطلاب ببيانات جغرافية عن المنطقة، وقراءات
كيميائية غير كاملة، وتقرير صحي يربط التلوث بانتشار بعض الأمراض.
الإجراءات
التطبيقية (وفق خطوات حل المشكلات):
تحديد المشكلة: يقوم
الطلاب بتحديد القضية بوضوح (مصدر ونوع التلوث).
تحليل وتجزئة: يتم
تقسيم المشكلة إلى محاور معرفية: تحليل العوامل الكيميائية (علوم)، تحديد المصادر
المحتملة (جغرافيا/بيئة)، وتقييم الأثر الصحي (معارف حيوية).
اقتراح الحلول (الفرضيات): تشكيل فرق عمل لاقتراح فرضيات تفسر سبب التلوث (مثلاً، تسرب من
مزرعة مجاورة، أو خلل في محطة المعالجة).
التطبيق العملي (التنفيذ): يطلب المعلم من الفرق تصميم بروتوكول بحث لاختبار فرضياتهم. يتضمن
ذلك استخدام الأدوات الرقمية (جداول إلكترونية أو برامج إحصائية) لمعالجة البيانات
الأولية وتحليلها، مما ينمي كفاية التفكير المرن والتبادلي.
العرض والتقويم: يتم تكليف الطلاب بتقديم "تقرير نهائي للسلطات المحلية"
يتضمن الحل الأنسب والتوصيات المستدامة، مما يتطلب منهم تجنيد كفاية التواصل
الفعال والمواطنة المسؤولة.
4.2. مثال تطبيقي (2): تنمية كفاية التفكير النقدي
في مادة التاريخ (تحليل الوثيقة)
الكفاية المستهدفة: القدرة على استنطاق الوثائق التاريخية ونقدها، ووضعها في سياقها،
وتأويلها لتكوين حكم تاريخي مستنير.
الوضعية المشكلة: تُعرض وثيقة تاريخية تتناول مرحلة تحول سياسي معقد، كأن تكون وثيقة
تتعلق بالتدخل الأجنبي أو نتائج مؤتمر دولي
الإجراءات
التطبيقية (التعلم النشط):
الاستنطاق السياقي: يوجه المعلم الطلاب إلى تحديد الإطار التاريخي للوثيقة (الزمان،
المكان، الموضوع).
النقد والتفسير: يُطلب من الطلاب شرح المصطلحات والمفاهيم الواردة في الوثيقة ، مما
يتطلب نقدًا داخليًا وخارجيًا للوثيقة.
تجنيد المعارف: استخراج
المعلومات الجزئية وتصنيف الأوضاع العامة التي آلت إليها البلاد.
الإدماج والتركيب: المهمة الإدماجية هنا هي "تركيب الفكرة الأساسية للوثيقة
وتأويلها في ضوء الأوضاع العامة". هذا يتجاوز الاسترجاع البسيط ويتطلب دمج
المعرفة المكتسبة مسبقًا حول السياق الاقتصادي والسياسي مع محتوى الوثيقة للوصول
إلى حكم نقدي.
4.3. مثال تطبيقي (3): التعلم القائم على المشاريع
لتنمية كفايات الرقمنة وإدارة الذات
الكفايات المستهدفة: إدارة الذات، والمواطنة المسؤولة، والكفاية الرقمية (توظيف
التكنولوجيا).
المشروع: تصميم
وتنفيذ "منصة رقمية صغيرة" (مدونة أو موقع تواصل اجتماعي) تهدف إلى
زيادة الوعي بقضايا الصحة النفسية بين طلاب المدرسة.
التطبيق
الإجرائي (PBL):
التخطيط (إدارة الذات): يضع الطلاب خطة عمل مفصلة، ويقسمون الأدوار، ويحددون الموارد
اللازمة (الصور، النصوص، الأدوات التقنية). هذا ينمي لديهم كفاية إدارة المهام
والمشاريع.
التنفيذ والإنتاج (الكفاية الرقمية): يتم استخدام الأدوات الرقمية لإنتاج محتوى إبداعي. يُشجع الطلاب على
توظيف التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي (AI) في تصميم الرسوم البيانية أو تجميع البيانات الإحصائية حول المشكلة.
المسؤولية الرقمية (المواطنة): يُشدد على ضرورة ممارسة سلوكيات رقمية مسؤولة، وحماية البيانات
الشخصية، ومراعاة حقوق الملكية الفكرية أثناء استخدام الصور والموارد.
التقويم النهائي: يتم تقييم المنصة بناءً على جودة المحتوى الرقمي، ومدى قدرتها على
تحقيق الأمن والرفاه في البيئة الافتراضية، ومهارات التعاون والتشارك التي ظهرت
أثناء العمل.
خامساً: تقويم الكفايات وآليات القياس الشامل
يُمثل التقويم أحد أصعب المراحل في المقاربة
بالكفايات، وقد أدت صعوبة تطبيق طرق التقويم المناسبة إلى تعثر تطبيق المقاربة في
بعض المنظومات التربوية. لذلك، يجب أن يتحول التقويم من قياس كمي للمضامين إلى
تقييم نوعي لدرجة التحكم في الكفاية.
5.1. فلسفة التقويم في ضوء المقاربة بالكفايات
يجب أن يؤدي التقويم وظيفته التكوينية، بمعنى
أن يكون مُرافقاً ومُواكبًا للعملية التربوية في جميع مراحلها.
تقويم المهام الأدائية المندمجة: يتطلب تقويم الكفايات تصميم مهام أدائية معقدة وذات دلالة، حيث
يُطلب من المتعلم أن يُجنّد (يُشغّل) مجموعة من الموارد الداخلية والخارجية في
وضعية جديدة.
التقييم وفق المحكات والمعايير: يتم إصدار الحكم على قيمة أداء الطالب بناءً على معايير أو محكات
محددة مسبقًا، بدلاً من التقييم الذاتي أو التقديري. وينبغي أن تكون هذه المعايير
مرتبطة بمتطلبات الأداء الوظيفي والاجتماعي.
5.2. ملف
الإنجاز (E-Portfolio) كأداة لتقييم الكفايات
يُعد ملف الإنجاز (سواء كان إلكترونيًا أو
ورقيًا) أداة بديلة رئيسية لتقييم الكفايات، حيث يقدم مجموعة منظمة من وثائق
الطالب التي توفر دليلاً وبرهانًا على كفايته ونموه في الجوانب المعرفية والمهارية.
مراحل تطوير
واستخدام ملف الإنجاز:
التنظيم والتخطيط: تحديد الغرض والمحتويات التي يجب أن يتضمنها الملف، بالاستناد إلى
الأهداف التعليمية للمقرر.
التجميع: جمع
إنجازات الطالب (أنشطة، واجبات، مشاريع) التي تعكس مدى تحقيق الكفايات على مدار
الفصل الدراسي.
التأملات (Reflection): يطلب
من الطالب إرفاق تأملاته حول المنتجات، وتحليل نقاط قوته وضعفه، وما يترتب على هذا
المنتج من ممارسات تعلمية مستقبلية. هذا يعزز كفاية التفكير التأملي وما وراء
المعرفة.
التقييم وفق المحكات: يتم تحديد محكات تقدير الدرجات
(Rubrics) لكل عمل، ومعايير تقدير الملف ككل،
لضمان تقويم شفاف وموضوعي.
يتميز ملف الإنجاز بأنه يسمح بتقييم تكويني
ونهائي، والأهم أنه يوثق تقدم ونمو الطالب، مما يدعم مبدأ البيداغوجيا الفارقية
والتعامل مع الفروق الفردية.
سادساً: تحديات التطبيق والمقترحات الاستراتيجية
على الرغم من الأسس النظرية المتينة للمقاربة
بالكفايات، فإن تطبيقها في الميدان التربوي يواجه تحديات منهجية وبنيوية عميقة،
مما يخلق فجوة بين التصميم النظري والتطبيق الفعلي.
6.1. الصعوبات المنهجية والبنيوية
تتركز صعوبات تطبيق التدريس بالكفايات في ثلاثة
محاور رئيسية: التخطيط، والتنفيذ، والتقويم. وتتعدد العوامل التي تؤثر سلبًا على
نجاحها:
التحديات
الفكرية ومقاومة التغيير: يواجه الأساتذة والمتعلمون أحيانًا
مقاومة للتغيير، أو ضعفًا في الكفاءة الذاتية اللازمة للتعامل مع الأساليب الجديدة
النشطة.
نقص
الدعم اللوجستي والمادي: تتطلب الاستراتيجيات الحديثة مثل PBL وحل المشكلات توفير أدوات ووسائل ديداكتيكية متطورة، بما في ذلك الإنترنت والإعلام
الآلي وأشرطة الفيديو التعليمية. صعوبة توفير هذه المواد تعيق بشدة تطبيق
المنهجيات النشطة.
صعوبة
التنسيق الأفقي: تطوير الكفايات المستعرضة (مثل حل
المشكلات) يتطلب حتمية التنسيق بين معلمي الميادين المعرفية المختلفة ضمن مشاريع
مشتركة. وغياب الهيكلة المؤسساتية الداعمة لهذا التنسيق يعرقل نمو هذه الكفايات.
6.2. تأهيل المعلمين وكفاياتهم المهنية
(الاستراتيجية المضادة)
نظرًا لكون المعلم هو الوسيط الذي ينقل الرؤية
الفلسفية للمقاربة إلى ممارسة صفية، فإن تأهيله يمثل الاستراتيجية المضادة لمواجهة
تحديات التطبيق.
ينبغي أن تركز برامج التكوين على تطوير
الكفايات المهنية في سبعة أبعاد رئيسية :
الممارسات المهنية والأخلاقية.
إدارة الفصل وتكييف البيئة التعليمية.
إتقان استراتيجيات التدريس الموجهة بالكفايات
(حل المشكلات، التعلم التعاوني).
التقييم النوعي للمهام المندمجة.
اختيار واستخدام الوسائل التعليمية والتقنية.
التعاون والعمل الفريقي.
حل المشكلات الصفية.
إن تزويد المعلم بالقدرة على إثارة دافعية
الطلاب وتفجير طاقاتهم الكامنة هو جزء أساسي من كفاياته المهنية.
سابعاً: الخلاصة والتوصيات الاستراتيجية
لقد أثبتت المقاربة بالكفايات نفسها كخيار
استراتيجي للمدرسة المعاصرة لمواجهة التطور المعرفي والتكنولوجي المتسارع، وتسليح
المتعلم بالمعرفة والكفاءة اللازمة لمواجهة مشكلات الحياة وتأسيس موقعه في
المجتمع. ولكن نجاح هذه المقاربة لا يعتمد فقط على تبني الأطر النظرية، بل على
تنفيذ استراتيجيات تدريس نشطة ومركبة.
الخلاصة:
تتطلب المقاربة بالكفايات تحولاً من التركيز
على المضامين إلى التركيز على القدرة على الإدماج وتوظيف الموارد في وضعيات جديدة.
تُعد استراتيجيات حل المشكلات والتعلم القائم
على المشاريع أدوات مثالية لتنمية الكفايات النوعية والمستعرضة (كالتفكير النقدي،
والرقمنة، وإدارة الذات).
يُشكل التقويم النوعي، لا سيما باستخدام أدوات
مثل ملف الإنجاز الإلكتروني (E-Portfolio)،
تحديًا حاسمًا، حيث يجب أن يقيس مدى التحكم في الكفاية الشاملة بدلاً من قياس
الأجزاء المعرفية المنفصلة.
التوصيات
تكثيف التكوين الموجه: يجب توفير برامج تدريب
معمقة للمعلمين، تركز بشكل خاص على الجوانب المنهجية لتصميم وتقييم المهام
الإدماجية المعقدة (Rubrics)،
وتنمية مهارات إدارة الفروق الفردية.
الاستثمار في البنية التحتية الرقمية: يجب
توفير الدعم المادي والتقني اللازم (الإنترنت، الإعلام الآلي، الأدوات الرقمية)
لتمكين المعلمين من تطبيق استراتيجيات التعلم النشط القائم على المشاريع، وخصوصًا
في ظل تنامي أهمية الكفايات التكنولوجية.
تفعيل التنسيق البيني: ضرورة إنشاء آليات
مؤسساتية لضمان التنسيق الفعلي بين معلمي المواد المختلفة بهدف تطوير الكفايات
المستعرضة، وتصميم مشاريع تعليمية مشتركة تعكس مبدأ الإدماج الأفقي.
تعزيز ما وراء المعرفة: يجب أن تُصمم
الاستراتيجيات لتشجيع المتعلم على التفكير التأملي، وممارسة عملية "تعلم كيف
يتعلم" ، بما يضمن استدامة التعلم والتحكم الذاتي في المسار التعليمي.
المراجع
ribatalkoutoub.com
manhajiyat.com
الكفايات في التعليم: الخلفيّات النظريّة
والمرتكزات البيداغوجيّة | منهجيات - نحو تعليم معاصر
youtube.com
المقاربة بالكفايات(1) | تعريف ، مراجع نظرية
وبيداغوجية، أهمية - YouTube
crdp.org
المقاربة بالكفايات.pdf - المركز التربوي للبحوث والإنماء
youtube.com
مقاربة الكفايات 2 الأسس النظرية : 1.2. نظرية
التعلم الجشطلتية - YouTube
dspace.univ-ouargla.dz
ﺍﻝﺘﻘﻭﻴﻡ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺍﻝﻤﻘﺎﺭﺒﺔ ﺒﺎﻝﻜﻔﺎﻴﺎﺕ
youtube.com
المقاربة بالكفايات ( بيداغوجيا الكفايات)|
سلسلة دروس علوم التربية - YouTube
cohe.uokerbala.edu.iq
المقاربة بالكفايات: مفهومها وأهميتها في
التعليم - كلية التربية للعلوم الانسانية
fad.umi.ac.ma
محور المقاربة بالكفايات.pdf
ns1.crdp.org
التقويم بالكفايات كأداة لتطوير عملية التعلم - CRDP Lebanon
core.ac.uk
ﺑﺎﻟﻜﻔﺎﯾﺎت ﺗﻌﻠﯿﻤﯿﺔ ﻣﺎدة اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻓﻲ ﺿﻮء ﺑﯿﺪاﻏﻮﺟﯿﺔ
ا - CORE
dspace.univ-ouargla.dz
ﺍﻝﺠﺫﻭﺭ ﻭﺍﻝﺘﻁﺒﻴﻕ : ﺍﻝﻤﻘﺎﺭﺒـــﺔ ﺒﺎﻝﻜﻔﺎﺀﺍﺕ
youtube.com
مقارنة بين التدريس بالأهداف و التدريس
بالكفايات - YouTube
asjp.cerist.dz
واقع تطبيق المقاربة بالكفايات من وجهة نظر
أساتذة التعليم الثانوي - ASJP - CERIST
search.shamaa.org
التقويم التربوي في ضوء المقاربة بالكفاءات
(إشكالية التطبيق)
asjp.cerist.dz
ادوار المعلم في ظل المقاربة بالكفاءات - ASJP - CERIST
asjp.cerist.dz
المعلّم والمقاربة بالكفاءات - ASJP
ajsp.net
التعليم القائم على المشاريع في الواليات
المتحدة األمريكية وإمكانية االستفادة منه في المملكة العربية السعودية
youtube.com
الكفايات المهنية التي ينبغي توافرها في المعلم - YouTube
asjp.cerist.dz
رؤية مستقبلية لإعداد المعلم في ظل التدريس
بالكفايات - ASJP
pertask.com
استراتيجية حل المشكلات في التدريس: خطوات،
فوائد، وأمثلة
almuajih.com
كفايات المعلم في إدارة الصف بشكل مفصل -
الموجه التربوي
mohammedaameri.com
إدارة اﻟﺼﻒ أﺣﺪ اﻟﻜﻔﺎﻳﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻤﺘﻠﻜﻬﺎ
اﻟﻤﻌﻠـﻢ اﻟﻜـﻒء
docs.google.com
إستراتيجيات الإدارة الصفية الفاعلة - Google Docs
theses-algerie.com
العلاقة التربوية بين المعلم والمتعلم في ظل
المقاربة بالكفاءات من وجهة نظر معلمي المرحلة الابتدائية -
Thèses-Algérie
north-journal-of-human-sciences.nbu.edu.sa
تصوّر مقترح لتنمية كفايات اإلدارة الصفية لدى
معلّمي العلوم بالمرحلة المتوسطة في ضوء متطلّبات العصر الرقمي
publications.univ-blida2.dz
محاضرات في طرق واستراتيجيات التدريس الحديثة
scribd.com
الوضعية المشكل وعلاقتها بالمقاربة بالكفايات | PDF - Scribd
pertask.com
search.shamaa.org
طريقة حل المشكلات في تكوين الكفايات لدى
التلاميذ: مثال تطبيقي لمادّة ا
scribd.com
التعلم القائم على المشروع PBL | PDF - Scribd
blog.makanaa.com
maed.journals.ekb.eg
ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻲ ﺍﳌﺸﺮﻭﻋﺎﺕ ﻋﱪ ﺍﻟﻮﻳﺐ
ﰲ ﺗﺪ
madarekw.com
استراتيجيات التعلم النشط: 10 أساليب مبتكرة
لتحفيز الطلاب - متجر مدارك الكويت
scribd.com
أهمية التعاون | PDF -
Scribd
sharjah24.ae
ما أثر التعاون في الفرد والمجتمع؟ - الشارقة
24
es.scribd.com
التعلم القائم على المشاريع | PDF - Scribd
s-education.net
youtube.com
المقاربة بالكفايات أنواع الكفايات..الكفايات
النوعية نشاط تطبيقي حول الكفايات النوعية لمادة التاريخ -
YouTube
search.shamaa.org
المقاربة بالكفاءات: النشأة والتطوّر
alwatannews.net
التقييم البديل: ملف إنجاز الطالب إلكترونياً (E-Portfolio) - الوطن
blog.caderjo.com
ملف الإنجاز مفهومه وأهميته وكيفية استخدامه - Blog by CADER
alno5ba.com
ـﻓﺎﻋﻠﻴ ﺔ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﻠﻒ ﺍﻹﳒﺎﺯ ﺍﻹﻟﻜﱰﻭﻧﻲ ﻟﺘﻨﻤﻴﺔ
ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻜﻔﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺴﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻄﺎﻟﺒﺎﺕ ﺍﳌﻌﻠﻤﺎﺕ ّ ـﺑﻜﻠﻴ ﺔ ﺍﻟﱰﺑﻴﺔ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ﺍﻷﻗﺼﻰ ﺑﻐ ﺰﺓـ - شبكة النخبة للنشر العلمي
dspace.univ-bouira.dz
برنو ليليا صعوبات التدريس وفق بيداغوجية
المقاربة بالكفاءة لدى أساتذة التعليم الإبتدائي.pdf - جامعة البويرة
search.shamaa.org
الصعوبات التطبيقية للتدريس بالمقاربة
بالكفاءات: دراسة ميدانية
asjp.cerist.dz
الأسس الفلسفية والاجتماعية لبيداغوجيا
المقاربة بالكفاءات - ASJP
cpc.journals.ekb.eg
برنامج مقرتح لتنمية بعض الكفايات املهنية
للمعلمني وحتسني املهارات األكادميية
asjp.cerist.dz
تحديات المدرسة المعاصرة في ظل المقاربة
بالكفايات Challenges of contemporary school in -
ASJP
 تحولاً بيداغوجيًا جذريًا في المنظو…){kind=link}
تعليقات
إرسال تعليق