أمّ السَّعْدِ
كَانَتْ أمّ السَّعْدِ امْرَأَةً في الْعَقْدِ الْخَامِسِ
مِنْ عُمْرِها، طَوِيلَةَ الْقَامَةِ رَقِيقَةَ الْعُودِ، بَيْضَاءَ الْبَشرَةِ، مَرْفُوعَةَ
الرَّأْسِ أَبَداً، ذَاتَ نَظْرَةٍ لا تَخْلُو مِنْ حِدّةِ. وَقَدْ وَخَطَ الشّيْبُ
شَعْرَها، وَلَكِنّها لاَ تَزَالُ تَحْتَفِظُ بِالْكَثيرِ مِنْ نَشَاطِها وَحَيَوِيَّتها.
نَشَأَتْ أُمُّ السَّعْدِ في قَرْيَتها، الْوَاقِعَةِ عَلَى
ضَفّةِ الْوَادِي وَبِهَا عَاشَتْ وَتَزَوّجَت.
تزوجها ابْنُ عَمِّها، وَهِيَ لَمْ تَبْلُغِ السّادِسَة
عَشْرةَ مِنْ عُمْرِها؛ ولَكِنَّها كانَتْ كَامِلَة النُّضُوجِ في وَقْتٍ مُبَكّر.
وَقَدْ تجَلّى كلُّ ذلك في حَدِيثِها وَتَصَّرفاتِها الْمُتَّزِنَة، فَأحَبَّها زَوْجُها
لِخُلُقِها وَحُسْنِ سُلوكِها، ودَأَبَ عَلى احْتِرامِها وَتَقْدِيرِها مُنْذُ بِدَايَةِ
حَياتِهِ الزَّوْجِيّةِ مَعَهَا.
مَاتَ عَنْها زَوْجُها، عِنْدَما بَلَغَتِ الْأرْبَعِينَ
مِنْ عُمْرِها فَحَزِنَتْ عَلَيْهِ حُزْناً بالِغاً، انفْطَرَ لهَ قَلْبُها، وَبَكَتْهُ
بِدمُوعٍ مُخْلِصةٍ مِمَّ أثَّرَ في صِحّتِها وَأَنْحَلَها، وغَيَّر مَلامِحَها بَعْضَ
الشّيءِ.
مُنْذُ تِلْكَ الْفَاجِعَةِ الّتي ألمَّتْ بِها، أَخَذَتْ
هيَ نَفْسُها تعْتَنِي ببُسْتانِها وَدَارِها. وَلَمْ تَكُنْ تَقْبَل أن يُسَاعِدَها
أَوْلادُها في الْقِيام بِأَمْرِ الْبُسْتَانِ، لِأنَّ أَعْمَإلهُم كَانَتْ تَتسِّمُ
بِالسُّرعَةِ والابْتِسَار.
غَيرْ أَنَّها لَمْ تَأْسَفْ لِذَلِكَ؛ لَمْ يَكُنْ مِنَ
الصّعْبِ عَلَيْها أَن تُؤَدّي الْعَمَلَ وَحْدَها. وَكَانَتْ تَشْعُر باعْتِزاَزٍ
كُلّما انْتَهَتْ مِنَ الْقِيَامِ بِعَمَلٍ ما. فَقَدْ تَعَوّدَتْ أَنْ تُرَاقِبَ زَوْجها
في حَيَاتهِ وَهُوَ يُؤدّي وَاجِبهُ في الْبُسْتَان؛ فَأُعْجِبَتْ بِمهَارتِه، وَتَعَلّمَتْ
عَنْهُ حُبَّ الْجَماَلِ والتّنْسيقِ والرِّعايةِ.
في انتظار أمين
جلست على حشيّتها أمام الموقد تنكت النار بالملقط، مصوّبة
إلى الجمرات الملتمعة بين يديها نظرات عميقة. ثم تناولت الصّنارتين وقميصا من الصّوف
الأبيض كانت قد بدأت نسجه....
وأحسّت بالحنان يغمر قلبها لمّا نظرت الى هذا القميص ؛ ولدها
ما يزال يذكرها، ما يزال يحبّها بالرّغم من زواجه وَابتعاده عنها.
وأدغشت الدنيا فنهضت الأمّ وأشعلت القنديل كانت قد ذبحت،
إكراما لزيارة أمين ديكَ دجاجاتها. اللّيلة ليلة عيد، وأمين لا يأتي إلى القرية كلّ
يوم.
تقدم اللّيل، يجب أن تكون السّاعة متجاوزةً السّابعة؛ وأمين
وزوجته لم يصلا بعد.ترى لماذا تأخّر ؟ بيروت لا تبعد أكثر من ساعة في السَّيَارة التي
تنهب الأرض نهبا، هل انقلبت بهما السَّيَارة ؟ أو تكون امرأته حملته على قضاء ليلة
العيد في المدينة بين صواحيها ؟ تكون قد قالت له: «القرية ! الجبل ! هل تريد أن نضيع
ليلتنا هذه إكرامًا لأمّك؟ » هل أصْغَى إليها واقتنع منها ولم يرحم أمَّهُ ؟
لا،لا، إنّه يؤكّد في رسالته التي قرأتها لها بنتُ جارتها
ثلاث مرّات ؛ يؤكّد أنّه سيجيء وأنّه مشتاقٌ إليها، وكانت الرّسالة في صدرها ؛ فتناولتها
وفتحتها وطفقت تجيل فيها نظراتها – وقد أمسكتها مقلوبةً – فتقف عيناها على السطور والكلمات
والحروف وقفات معذّبة بلهاء.
غير أنّ الوقتَ طال فدبَّ فيها اليأسُ من جديد. هذا شأن
أولاد هذا الزمان ! هذا شأن المتزوّجين في هذا العصرِ المتمدّن : عبيدٌ لنسائهم.
كانت الأمّ تفكِّر في هذه الأُمور وهي متوجّهةٌ إلى غرفتها
لتنام، ثم قعدت في فراشها وما كادت تلقي رأسها حتَّى سمعت هديرَ سيّارةٍ على الطّريق
حبست أنفاسها ؛ فإذا البابُ يدقُّ دقات متواليّة قويّة. هذه دقّتُه إنها تعرفُ دقَّتَهُ.
هكذا كان أبوه يأتي منْ قبله...
توفيق يوسف عواد (قميصُ الصُّوف)دليل الأستاذ للسنة الأولى
من التعليم المتوسط ص93
وداع
... عِنْدَمَا همَمَتُ بِاخْترِاقِ الْبَابِ بَعْدَ
أَنْ وَدَّعْتُ أَهْلَ الْمَنْزِلِ اسْتًوْقَفَتْنِي جَدَّتِي الْبَاكِيَةُ وَقَذَفَتْ
في وَجْهِي بِبَعْضِ الْمِلْح أَلاَ رَحِمَهَا اللّهُ ! لَقَدْ أَرَادَتْ بِذَلِكَ
أَنْ تَضْمَنَ رُؤْيَتِي مَرَّةً أُخْرَى. وَلَكِنَّ الْمَوْتَ خَيَّبَ آمَإلهَا وَسَارَتِ
الْقَافِلَةُ في الظَّلَام حَوْلَ غُلاَمٍ على عَتَبَةِ الشَّبَابِ لِتُوَدِّعَهُ عِنْدَ
مَحَطَّةِ الْقِطَارِ هَذِهِ الْمُعَتَّمَةِ الْمَعْزُولَةِ الْمُتَوَاضِعَةِ.
.... وَكَانَتْ مِئَاتُ الْخَوَاطِرِ تصَطَرعِ
في نَفْسِهِ وَكَانَ الْمُسْتَقْبَلُ يَتََراقَصُ أَمَامَ مُخَيَّلَتِهِ بِصُوَرٍ شَتَّى
تَتَبَايَنُ تََمامَ التَّبَايُنِ عَنِ الصُّوَرِ التِي تَكْشِفُ عَنْهَا الأَيَّامُ
بَعْدَ ذَلِكَ. كُلُّ هَذَا وَعَيْنَاهُ لاَ تَكَادَانِ تُبَارِحَانِ وَجْهَ وَالِدِهِ
الْقَلِقِ الْحَزِينِ، الذِي كَانَ يَنْظُرُ إلى ابْنِهِ يَبْتَلِعُهُ الْبِعَادُ دُونَ
أَنْ يَعْرِفَ على وَجْهِ التَّدقِيقِ، الْمَصِرَ الذي يَنْتَظرُهُ.
.... وَفَجْأَةً تَرَدَّدَ في سُكُونِ اللَّيْلِ
صَفِيرٌ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَدَأَ دُخَّانٌ أَبْيَضُ فِي سَحمْةَ اللَّيْلِ تَتَخَلَّلَهُ
شَرارَاتٌ حَمْراءُ، فَترَدَّدَ فِي قَلْبِي صَفِيرٌ مِثْلَ صَفِيرِه وَتَطَايَرَتْ
شَرارَاتٌ مِثْلَ الشرَّارَاتِ فَقَدْ تَبَيَّنْتُ فِي الظَّلاَمِ الْحَالِكِ شَبَحَ
الْقَاطِرَةِ وَهْيَ تزَفْر لِتَكْبَحَ مِنْ جِمَاحهِا حَتَّى تَتَمَكَّنِ مِنَ الْوُقُوفِ
عِنْدَ الْمَحَطَّةِ، لَنْ أَنْىَ مَا حَيِيتُ الدَّمْعَتيَنْ اللَّتَينْ تَرَقْرَقَتَا
فِي عَيْنَيْ وَالِدِي وَهْوَ يُعَانِقُنِي الْعِنَاقَ الْأخِيرَ فَلَقَدْ تَحَوَّلَتَا
بَعْدَ ذَلِكَ إلى جَوْهَرَتَين أُرَصِّعُ بِهِامَ ذِكْرَيَاتِي وَمَا كِدْتُ أَصْعَدُ
أَنَا وَرَفِيقِي الْغُرْفَةَ حَتَّى عَادَتِ الْقَاطِرَةُ تَسْتَجْمعُ أَنْفَاسَهَا
وَتُسْمِعُ هَدِيرَهَا. ثُمَّ تَزَحْزَحَتْ ثُمَّ سَارَتْ ثُمَّ انْطَلَقَتْ فِي الظَّلاَم
مُوَلْوِلَةً صَارِخَةً لاَ تَلْوِي عَلىَ شَيءٍ.
عبد الحميد بن جلّون دليل الأستاذ
للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص95
زوج أبي
لم يدر بخاطري أن زوج أبي لم تلبث بعد أن اطمأنت إلى مكانها
من بيتها الجديد،أن قامت تدور في أرجائه لترسم في ذهنها صورته، وأنّني لفي مجلي من
غرفتي،وقد جفَّ دمعي وإن ظلت عيناي محمرتن من أثر البكاء، إذْ فتح الباب ورأيت الأب
والزّوج والعمّة يدخلون عليّ، ثم يقول أبي موجِّها الكلام إليّ: «أنتِ هنا يا ابنتي
» وسرعان ما أقبلت زوجتُه نحوي وأخذت تطري نظام الغرفة وكان صوتها رقيقا، فيه من الحنان
ما لم تتكلّفه، وخلتُها ملكا كريما بعثت به السماء ليضمد جراحي ويأسو كلوم قلبي !.
وسرت إلى جانبها وهي ممسكةٌ يدي، فلاّ كُنا في البَهْوِ
رأيتها تفتح حقيبة، وتخرج منها عقدا جميلا تثبته حول عنقي، ثم تخرج من حقيبة يدها مرآتها
الصغرة،لأنظر جمال العقد على صدري، ونظرت في المرآة فأعجبني العقدُ وكان أوّلَ مصاغ
تحلّيت به من نوعه، وأدرت عيني إلى ناحية أبي فإذا على ثغره ابتسامةٌ راضيَةٌ،تشهد
باغتباطه لما يرى.
تنصّفت السّنة الدّراسيّة ثم قاربت نهايتها وأنا منكبّة
أشدّ الانكباب على دروسي،وإنّ لكذلك إذ مرضتُ وانقطعتُ عن المدرسة قرابة عدّة أيام،
فلاّ أبللتُ، وأردت الإقبإلى على الدرس لأستعيض ما فاتني أثناء علّتي، دعاني والدي
إليه وقال لي:«لقد رأيتُ يا ابنتي خوفا على صحتك أن تنقطعي عن المدرسة ولا تذهبي إليها
منذ غد .»ولم يكن لي عهدٌ بأنْ أناقش قرارًا اتّخذه، فخرجتُ من عنده وقد عرتني الدّهشةُ،صحيح
أنّني كنت أسمعُ زوجَ أبي وتذكّر أن البنتَ خُلقت للبيت والأمومة، لا لممارسة الوظائف
الحكوميّة.
لكنّي لم أكن أعيرُ حديثَها في هذا الشأن بالا، لأّني كنت أعلمُ أنَّ أبي على غير هذا الرّأي.وكان لهذا
القرار أسوأَ الأثر في حياتي، لكني ما لبثت حتّى سمعت هذا القرار يبلغه إليّ أبي أن
شعرت بأن زوجَهُ صاحبة الوحي به، وأن ما أسمعه عن زوج الأب،وبرمها بأبناء زوجها صحيحٌ
وشعرت لذلك بهذه العاطفة الكريهة، عاطفة الكراهية تندسُّ إلى قلبي وتجد منه مكانا لم
يكن لها من قبل فيه موضع.
محمد حسين هيكل - مقتطف من قصة (هكذا خلقت)دليل الأستاذ
للسنة الأولى من التعليم المتوسط
سطر أحمر من الأمس
بلغ الجانبَ العُلويّ من الزّقاق الّذي يُفضي إلى دارهم،
بَلَغَهُ أنينٌ طويلٌ، سُرعانَ ما أبصرَ صاحبه. وتوقّف لا يقوى على إصدار أَيَّةِ حركة.
كان هناك عسكريّ مُلْقًى على ظهره إلى جانب الطّريق ؛ ودماءٌ غزيرةٌ كانت قد سالت على
رقبته. على مبعدة من الجريح كانت هناك جثَّةٌ لعسكريّ آخر يبدو عليه أنّه ميّت، تسمَّرت
عيناه في العسكريّ الجريحِ، وقد ذهل تماما عن نفسه. في تلك الّلحظات، بلغت مسامعَ مراد
نداءات والدته من أسفلِ الزّقاق، غرَ أَنّه لم يكُن ليقوى على تبيّنها.صُفرة شديدةٌ
كانت قد عَلَت وجْهَهُ. شفتاهُ ظلّتا منفرجتين قليلا، جَلَس على دكة بفناء الدّار.
راحت والدتُه تحاول أن تردَّه إلى الواقع، غير أنّها لم تفلح تَمامًا، ذلك أنّه كان
يزيحها بحركة بطيئةٍ من يَدِهِ.
لم يفق مراد إلّا عندما هبط اللّيل. والدته كانت جالسةً
إلى جانبِه تُحدَّق فيه وَدَلائلُ الحيرة باديّةٌ على وجْهِهَا.كانَ والدُه يقلب أزرارَ
المِذْياِع، عساه يقع على محطَّة من المَحَطّات الإذاعيّة العربيّة. ولم يفطن إلى أنّ
مراد قد أفاق من إغفاءته. أصواتٌ حادّةٌ كانت تصدر من المذياع، وتتحوَّل إلى نوع من
الخَشْخَشَةِ.
وأحسّ مراد بالدّموع تستقرّ في أطرافِ عينيه من الفرح. والدُهُ
مجاهِدٌ هو الآخر ! وإلا فكيف يفسرّ هذا الاهتمامُ الشّديد للتّعرّف على ما يجري في
الوطنِ منْ أحداثٍ ؟
وأحسّ مراد في تلك اللّحظة بأنّ عليه أن يقومَ بشيء. وقامَ
متباطئًا من فراشه،وتناولَ قلماً أحمرَ، قَرَّبَه من شفتيه، وجعلَ يضغطُ على طَرفه
بأسنانه، وسُرعانَ ما التمعت عيناه، فانحنَى على الكرّاسة ليخطَّ عليها: «من جِبالنا
طلعَ صوتُ الأحرار ينادينا. ينادينا للاستقلال .»
مرزاق بقطاش بتصرفّ من (طيور في الظهيرة) دليل الأستاذ للسنة
الأولى من التعليم المتوسط ص99
ليلة للوطن
خرج «نور » من مكانِ المسؤول، وكلُّهُ سرُورٌ إذ كلَّفه
قائدُه بهذه المهمّة الخطيرة... إنّه لموضوعٌ شيِّق إذا عاش بعد القيام بهذه المَهَمَّة،لإضافة
سُطورٍ نُورانيّةٍ إلى جانبِ ما كتبه في كرّاس يومياته الفدائيّة منذ صُعودِهِ إلى
الجَبَلِ.
جمع «نور » أعضاءَ فوجِه الذّين اختارهم لهذه العمليةّ،
فشرعَ في شرح أهداف العمليةّ،والطّريقة النّاجحةِ الّتي يجب اِتّباعها، كما تحدّث عن
وقتِ البَدْءِ في العمليةِ ووقتِ العودةِ منها،فَقَسَّمَ أعضاءَ الفوجِ إلى مجموعاتٍ
صغيرةٍ، وعلى رأسِ كلِّ مجموعةٍ صاحبُ خبرةٍ في القتالِ.
ثم انطلقَ الجميعُ في حركةٍ سريعةٍ يتقدّمهم «مسعود » الخبيرُ
بهذه النّاحية، حيث قَضَى سنوات راعيًا في إحدى القُرى المجاورة لمكانِ العمليّةِ.
ركّز «نور » وجماعتهُ على كلِّ ما حولهم كثيرا، وفجأة سمعوا
همهمة لم يفهموا معناها فَنَظَرَ الجميعُ إلى بَعضِهم، ومن خلالِ نظراتِهم عَرَفوا
أنّ هذا الجنديّ هو الحارسُ نَفسُه.وبِسرْعةِ البرقِ التقطه «نور » بمسَدّسه الكَاتِم
للصّوتِ، فسقط الجنديُّ أرضًا، وفي هذه الدّقيقة انفجرت قنابلُ الانتقامِ من كلِّ جهةٍ
صوبَ أماكنَ العدوِّ، وبدأت الصّفائحُ تتطايرُ، وصناديقُ الذّخيرةِ تنفجِرُ، وبعدَ
دقائقَ صرَخَ «نورُ » ثلاث مرات مشيرًا إلى الانسحابِ فورًا من مُعَسْكَرِ العدوِّ..
وبعدَ ساعةٍ من السّير المضْني عادَ الفدائيوّنَ إلى حيث كانوُا وعلى كتف «نور » رفيقُهُ
ودليلُهُ «مسعود » الشّجاع وهو يلفظُ أنفاسَهُ الأخيرةِ بعدَ أن كان سبَبًا رئيسًا
في نجاحِ العمليّةِ.
عبد الرّحمن عزّوق (صوماميّات) دليل الأستاذ للسنة الأولى
من التعليم المتوسط ص101
الشّاعر المضطهد
ولمْ يكُن يحبُّ الحياةَ، ولكنّه كان يتمنّاها للغير وكان
يُبرِّرُ ذلك لنفسِهِ بمحبَّته للإنسانيّة،إنّه محرومٌ من حنانِ الطّفولةِ، ومن الاِمتحانات
الشّهرية، ومن الصّف الذي يجب أن يعاد إلى الأمّ.
لقد بلغَ مسامعَ خالد بن طبّال أن كثيرًا من النّاسِ يردِّدونَ
أشعارَهُ في الجِبَالِ والسّجونِ.ولم يكن يشعرُ لذلك بالاعتزازِ أو الفرحِ، بل كان
يشعرُ بالخوفِ. كان يتساءلُ: هل أنا في مستوى الرِّجال، وثورة هؤلاء الرّجال، من السَّهل
جِدَّا أن أكونَ رجُلاً مثل سائر الرِّجال، ولكن أن أكون إنسانا، فهذا هو الأمر الصَّعْبُ.
لا يمكن للإنسان أن يتعلَّمَ معنَى الوطنِ أو يشرحهُ في
كلماتٍ، كما أنّه لا يستطيع أن يقصّ قصّةَ الوطنِ. وقد تركَ اللهُ عبادَه في حالةٍ
يُخَيّلُ إلى النّاس فيها أنّه سبحانه قد خلقهم درجات متفاوتة، وأنّه ترك حلَّ مشاكلهم
إلى إنسانيّتهم الّتي كثيراً ما تنزل دون مستوى الإنسانيّة.
ولكن حينما سيرحل الوحوشُ، سواء منهم الوحوشُ الصّغارُ أو
الوحوش الكبارُ، أو الوحوشُ الّذين نلتقي بهم كلّ يوم، أو الوحوشُ الّذين لا يشبهون
الوحوشَ ولكن يستفيدون، على درجات متفاوتة من الاستعمار الوحشيّ. حينما سيرحلون، سيرحلون
كلُّهم، سيذهبون كلُّهم ولن يبقى في شوارع قسنطينة، وفي الجبال التي ستعود كما كانت
خضراءَ، لن يبقى سوى الرّجال، أولئك الأطفال الكبار الّذين أصبَحُوا أسطورةً يرويها
التّاريخُ.
وسيبقى الحبّ، وسيشرق الفجرُ، وستعود السيّادةُ، أعلَ مراتب
الحقوقِ المقدّسة، والجزائرُ الّتي يسبّها البعضُ من أجل حوادثها اليوميّة، ستذكِّرُ
النّاسَ أنّ الفوضى لا تنشأ عن سوء التّفاهم، ولكن عن الجهل وعدم احترام الغير.
مالك حداد - نصّ مقتطف عن (رصيف الأزهار لا يجيب) دليل الأستاذ
للسنة الأولى من التعليم المتوسط
حدث ذات ليلة
دَفعُوا البابَ بركلات عنيفةٍ فاندفَعَ حُطامًا ليصْطَدِم
بالجِدَاِر العَارِي، ودَخَلُوا البَاحةَ ينشرونَ الضّجيجَ والصّخَبَ والخوفَ.اندفعُوا
نحوَ غُرفتِه وصَوَّبُوا بَنادقَهُم ومصابيحَهُم اليدويّةَ باتجاهِهِ، فبدَا أشعتَ
الشَّعْرِ حافي القَدَمين وهو يزررُ معطفَه المتهدّلَ بطريقةٍ خاطئةٍ.. أغمضَ عينيه
إذْ طعنَها الضّوءُ السّاطعُ وأشاحَ بوجهه. تََلمَْلَ في مَكَانه وقد تسَّمرت رِجْاُه
فلمْ يُبدِ حَراكًا إذ رآهم عسكرييّ.
اندفعت أمُّه مذعورةً تسُدُّ طريقَهم إليه وقد خنقَ القهرُ
قَلْبَهَا:
- ماذا تريدُون مِنْهُ ؟
رطََن العسكريُّ الذي اعترضَها بكلماتٍ لم تفْهمْهَا. أمسكتْ
بابْنِهَا من ذراعِهِ مشبّثةً به فدفَعَهَا أحدُهم بعنفٍ ملقيًا بهَا على الأرضَ ثمّ
داسَها آخر بحذائِهِ الثَّقيلِ.قيّدُوهُ ودفعُوه أمامهم بقُوة ورَمَوْهُ داخلَ سيّارةٍ
متوقِّفة عند البابِ.. أدارُوا المحَرِّكَ وغاصُوا في ظامٍ دامسٍ تمزّق كبدَهُ أضواءُ
سيّارةٍ سريعةٍ.رفع رأسَهُ إلى المسّاءِ فتعلّقت عَيناه بنجْمةٍ منزرعةٍ في الأَديمِ
الاَّ متناهِي، ودَّ لو يحتضنُ خُيُوطَهَا الرّاشِحَةِ بالتوهُّجِ في غمرة هذه اللّحظة
المُوحشة..
اتجهت السّيارةُ نحو الشّاطئ وتوغّلت في الرّمال لتتوقّفَ
بمحاذَاِة الصُّخُور المُسنَّةِ،أُنْزِلَ الجسدُ الضّئيلُ من السّيارة.. فُكَّ قيدُهُ..
مزَّقت سكونَ اللّيل عياراتٌ ناريةٌتاخترقتْ ظهرَهُ.. زَحْزَحُوا الجثَّةَ وقَذفُوا
بها وجَههَ البَحْرِ.. زَحفَت الأسماكُ نحوَ الشّاطِئِ تتحسَّسُ الجسدَ المثقوبَ الّذي
اكتحلَت عيناه بأشعّةِ نَجْمَةٍ كبرةٍ قبل أن تغوصَ في الماءِ..أما البحرُ فتخلَّ عن
لونِهِ فَجْأَةً ولبسَ ثَوْبًا أَحمرَ قاتمًا تلك اللّيلة.
جميلة زنير(الأعمال القصصية الكاملة) ص: 57 م.و.ف.م
2008 دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص105
محمد البشير الإبراهيميّ
وُلد محمّد البشير الإبراهيمي يوم 14 جوان « 1889 بأولاد
براهم » برأس الوادي بولاية سطيف حيث تَلقىّ تعليمَهُ الأوّلَ، فَحفِظَ القرآنَ الكريمَ،
ودرسَ بعضَ المُتُونِ في الفقهِ واللّغة العربيّةِ وفي سنة 1911 تَوجّهَ نحوَ المشرقِ
العَربِّ، فَمرَّ بالقَاهِرَةِ والمدينةَ المنَوَّرَة بالحِجَاز فَأَقَامَ فيها، وتفرّغَ
للدّراسةِ كطالبٍ، مترددّاً على أساتذةِ اللّغةِ والدِّين ثمّ انتقل إلى دمشق عام
1916 واشتغل بالتدّريس، وحاضر في النّوادي والمساجد.
بِعَوْدته إلى الجَزَائر شَرعَ في التَّعليم مواصلاً نَشَاطَهُ
ضِمْنَ الجَمْعيّةِ كشخصيّةٍ بارزةٍ مؤثِّرةٍ، وأثناءَ حَوَادث ماي 1945 قِيدَ الإبراهيمي
إلى السِّجن ثُمّ أعْلَنَت الحكومةُ الاستعماريّةُ عَفْوَهَا العَامَّ، وتَمَّ إطاقُ
سَراحِ الشِّيخِ البشرِ الإبراهيميِّ ولمْ يَتَوَقّفْ نَشَاطُهُ فَسَافَرَ سنة
1952 إلى بَعْضِ البُلْدَانِ العَربّيةِ والإسْاميّةِ، مُلتَمِسًا مِنْ بَعْضِ حُكُومَاتِهَا
أَنْ تُخصِّص مِنَحًا للطَّلبةِ الجَزَائريّنَ.
وَعِنْدَمَا اندَلَعَتِ الثّورةُ الجزائريّةُ كان البشرُ
الإبراهيميُّ خَارِجَ الوَطَنِ وَمَدَّ يَدَهُ للثّورَةِ، وَعملَ في خِدْمَتِهَا، وفي
هذه الفترة مِنْ حَيَاته، احْتلَّ مكَانتين، مكَانَةً سِياسيةٌ ومكَانَةً فكريّةً،
فَهوَ فِي الأَوْلَى يَعْملُ متنقِّالً لِخِدْمَةِ الثَّورَةِ الجَزَائريّة، وفي الثّانيّة
انتُخِبَ عُضْواً مُرَاسِلاً سَنَةَ 1954 فِي كلٍّ مِن المَجْمَعِ العِلْمِيِّ بِدِمَشْقَ
وإلمَجْمَع اللُّغَويّ بالقاهِرَةِ؛ وَهَكَذَا بَقِيَ خَارِجَ الوَطَنِ طِيلَةَ سَنَوَاتِ
الثَّورَةِ، فَلَماَّ تَحَرَّرَتِ اْلجَزَائِرُ عَادَ إلى وَطَنِهِ لِيشْهَدَ الاسْتِقْلإلى
بِكُلِّ جَوَارِحِهِ، ذَلِكَ الاسْتقلَلُ إلذِي قَإل عَنْهُ يَوْمًا «إنه جَنَّةٌ لَا
يُعْبرُ إليْهَا إِلاَّ على جسر مِن الضَّحَايا .»
ويشاء القضاء أن يرحل عنّا ويلتحق بالرّفيق الأعلى يوم
19 ماي 1965 ، فودّعته الأمّة الجزائريّة بقلوب حزينة، وعيون دامعة.
د. عمر بن قينة بتصرف (شخصيات جزائرية) ط 1983 / 1 ص:
41 .دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص107
تين هينان ...الملكة الأمازيغية الجزائرية !
تِنْ هِينَان هي
مَلِكَةُ قَبَائل الطَّوارِق، وقَد حَكَمَت فِي القَرنِ الخَامِسِ المِيلاَدِي،وإليها
يستَنِدُ هؤلاءِ القَوْمُ في تنظيمِهِم الاجْتِمَاعيِّ الّذي كان يستمِدُّ السُّلطة
– آنذاك - من حِكْمَةِ المَرْأَةِ.
تُثْبِتُ الأسَاطِيرُ والآَثَارُ أنَّهَا ملكة متفرّدة،
كَانت تُدَافعُ عنْ أرضِهَا وشَعْبِهًا ضِدَّ الغُزَاةِ الآخَرِينَ مِن قَبَائل النِّيجر
ومُورِيتانيا الحَالِيَّة وتْشَاد. وقَد عُرفَ عَنها أنَّها صَاحِبَةُ حِكْمَةٍ وَدَهَاءٍ،
نُصِّبَت مَلِكَةً بِسَبَبِ إمكاناتها وقُدُراتها الخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ. وتَقُولُ
الرِّوايات التّاريخيّة بأَنَّ اسمهاَ مُرَكَّبٌ مِن جُزئين ( تن وهينان ) وهي لَفْظٌ
من لَهْجَةِ «التَّمَاهَاك » القَدِيمةِ وتَعْنِي بالعربيَّة ( ناصِبَة الخِيَّام
). قِيَّمٌ نَبِيلَةُ مِثْل العَدْلِ والصَّفْحِ والرَّحْمَةِ وَسَدَاد الرَّأيْ وَحُسْنِ
التَّدْبِيرِ، كُلُّها قِيمٌ غَرَسَتِ الفَضِيلَةَ في صَحْراء الجَزَائر، فَخَلد ذِكرُ
«تنْ هِينَان » وذَاعَ صيْتُها في مُخْتلف البِقَاعِ...
قَدِمَت «تِنْ هِينَان » ذاتَ يوم مِن منْطِقَة «تافيلالت
» الوَاقِعةِ بالجَنُوبِ الشّرْقِيِّ للمغْرِبِ الأَقْصىَ، مُمْتَطِيةً رَاحِلَةَ نَاقَتِهَا
البيضَاءَ وبِرفْقَةِ خَاِدمَتِها «تَاكَامَات » وَعَدَدٍ مِن العَبِيدِ لِتَسْتَقِرَّ
بِقَافِلتَهَا الصَّغِرَةِ فِي منْطَقَة «الأَهْقَارِ » الجَبَليّةِ على نَحْو أَلْفيْ
كلم جَنُوب العَاصِمَة الجَزَائريّة.
شَيّدَت صَرح مَملَكَتِها بمَنطِقَة «الأهقار »، وأَدْخَلَت
تَقَالِيدَ جَدِيَدةً على المُجْتَمَعِ مِنْهَا على الخُصُوصِ العَملَ، وتَخْزين الخَيرَات
لِوَقْت الشِّدَّةِ والاستعْدَادِ الدَّائِمِ لِقَهْرِ الغُزاةِيالقَادِمينَ من الشَّمال.
ويُرْوَى بأنَّ «تِنْ هِينَان » حَكَمَت عَدَدًا كَببِرًا مِن القَبَائِلِ تَنْحَدِرُ
مِنْهًا جَمِيعُ قَبَائِل الطَّوَارق الحَاليّةِ في بُلْدَانِ الصَّحْرَاء الكُبرى
الإفريقيّة.
وَنَقَلَ كِتَابُ العَلاَّمَةِ ابنِ خَلْدون أَنَّ ابنَهَا
«هُڤَارَ » الذي أُطْلِقَ اسمُهُ على المنطقَةِ
كُلِّهَا فيما بَعْد كانَ أَوَّلَ من غَطَّى وَجْهَهُ، فَتَبِعَهُ القَومُ وَظَلُّوا
على تِلْكَ اْلحَالِ إلى اليَوْمِ. وقد أَثْبَتَت التَّحْلِيلإتُ أَنَّ الهَيْكَلَ
العَظْمِي » لتن هينان » يَعُودُ لِلْقَرْنِ اْلخَامِسِ الْمِيلادَيِّ وَهو مَا يَعْنِي
أَنَّ « تِنْ هِينان » لمْ تَكُن مُسْلِمَةً كَماَ يُشَاعُ، لأنَّ الإِسْلامَ لَمْ
يَبْلغْ تِلْك المنطقَةَ إلاَّ فِي القَرْنِ السَّابِعِ المِياَدِي.
مريم سيدي علي مبارك بتصرف(رجال لهم تاريخ متبو ع بنساء
لهن تاريخ) دار المعرفة 2010
دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص103
الإدريسيّ صاحِبُ أشْهر خَريطَةٍ في العَالمِ
قسّمَ الإدريسُّي العَالمَ إلى سَبْعَةٍ أَقَالِيمَ، وكُلُّ
إِقليمٍ قسَّمَهُ عشرَة أقسامٍ، فَصَنَعَ بذَلك سَبْعينَ خَرِيطَةً، ولمْ يَكْتَفِ
الإدريِسُّي بمَا تَوَافَرَ مِنْ كُتُبٍ، بَل اعتَمَدَ بِشَكْلٍ أسَاسِّ عَلَى تَجَارِبِه
الشَّخْصِيَّةِ وَرَحَلاَتِهِ في أَنْحَاءِ العَالمِ أَوَّلًا وَمَا لَمْ يُشَاهِدْهُ
بِنَفْسِهِ اعْتَمَدَ فيه عَلَى الرَّحَإلةِ المُسْلمينَ والمُشَاهِدِين الثّقات، وَكَانَ
يخْتَبِر المَسَافَاتِ عَلَى خَرَائِطِهِ ويُطَبِّقُهَا بِنَفْسِهِ.
وحينَ اكتَملَت الرُّسُومُ جَمَعَ الإدريسّي العالمَ كُلَّهُ
فِي خَريطَتين، الأُوْلَى عَلَى كُرَة كَبِيرةٍ مِن الفِضَّةِ، والثّانيّة كَانت تَخْطِيطًا
دَقِيقًا بالأَلْوَانِ يُوَضِّحُ كُرِوِيَّةَ الأرْضِ، ويضيفُ إليهَا خُطُوطَ الطُّولِ،
وَدَوائِرَ العَرْضِ المُقوَّسة، وَوَضَعَهَا فِي كِتَابِهِ المَشْهُورِ ( نُزْهَةُ
المُشْتَاقِ فِي اختراقِ الآفَاقِ )، الّذي ألّفه بِطَلَبٍ من مَلِكِ صِقَلِّية. وقد
أصْبَحَ هذَا الكتابُ من أَشْهَرِ الآثَارِ الجُغْرافيّةِ العربيّة، أَفَادَ منهُ الأوربيونَ
والشّرقيّون.
وَأَحْضر الإدْرِيِسّي مَجْمُوعةً من نقّاشي الفِضَّة مِن
صُنّاعِ الأَنْدلُس وَأَمَرَهُم أَنْ يَحْفِرُوا الخَرِيطَةَ عَلى الكُرَةِ الفِضِّيَةِ..
فَظَهَرَت فِيهَا البُلْدَانُ بأقْطَارِهَا وَمُدُنِهَا وَرِيفِهَا وَخُلْجَانِهَا
وَمَجَارِي مِيَاهِهَا وَمَوَاقِع أَنْهَاِرهَا وَبِحَاِرهَا وَمَا بَينْ كُلِّ بَلَدٍ
مِنْهَا مِن الطُّرُقاتِ المَطْرُوقَةِ وَالأَمْيَالِ الممْدُودَةِ وَالمَسَافَات المَشْهُودَةِ
وَكَانَ نَقْشُ الخَرِيطَةِ بِالأَلْوَانِ وَقَدْ طُعِّمت بِالعَاجِ،وَكَانَ المَلِكُ
وَهو عَلى فِرَاشِ المَوْتِ يتَعَجَّلُ رُؤيَتَهَا كُلّ يَوْمٍ قَبْلَ وَفَاتِه.
وَيَعْرِفُ عُلَماَءُ الجُغْرافيَا المُشْتَغِلُونَ بالإنْترنت
اليَوْم اِسمَ الإدْرِيسيّ كُلَّماَ فَتَحُوا أَجْهِزَةَ الحَاسُوبِ، لأَنَّ بَرْنَامَجَ
الخَرَائِطِ العَالمِيّ المُعْتَمَد لدَى اْلجَامِعَاتِ وَمَراكِزَ البَحْثِ أُطْلِقَ
عَلَيْه اِسْمَ هَذَا العَالِمِ الإِسلا ميِّ الكَبِير.
هيثم خيري العربي الصغير، العدد 143 أغسطس 2004دليل الأستاذ
للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص111
: الإسكندرُ الأكبر
الإسكندرُ الأكبرُ، أو الإسكندرُ المَقْدُوني، من الشّخصِياتِ
العبقريّةِ الفذّة الّتي يندر أَنْ يوجَدُ مثلها، في تاريخِ الإنسانيّةِ، ولِمَ لا،
وكَان أوّلَ مَن نَادَى بمبدإ ( الدَّوليّة
) فيا يتعلَّقُ بالبشر أجْمَعين.. وسَعى إلى إلغاءِ الحدودِ بنَ الدّول..
وتَمكَّنَ مِن تَشْيِيدِ امبراطوريته الّتي امتدّت مِن مَقدُونيا
غرْبًا حتّى آخر حُدُودِ الهِنْدِ شَرقاً، لَمْ يَعِشْ أَكْثرَ مِن ثلاث وثلاثينَ سَنة،
إِذَا صَحَّ تاريخُ ولَادتِهِ عام 356ق.م وتاريخ وفاته 323 ق.م.
ولم يكن همُّ الإسكندر محصُوراً في الاستيلاءِ على مساحاتٍ
شاسعةٍ من الأراضِي،بل كانَ يهدفُ إلى إصلاَحِ البلادِ التّي يدخلُهَا ونشرِ الثّقافةِ
اليونانيّةِ فيها ومعاملة أَهْلِها نفس مُعاملة اليُونانيّين.. فكانَ يشْركُهم في إِدَارَةِ
البلادِ ويعاقبُ عَلَنًا كلَّ يوناني يُسيىء استغلإل سُلطتِه.
وكانَ الإسكندرُ يقْضي وقتًا طويلاً في كتابةِ التقارير،
الّتي كانَ يَبْعَثُ بِها باستمرارٍ إلى معلِّمِه وأستاذِه الفيلسوف اليونَانيّ ( أرسطو )، كانت هذه التّقَاريرُ تَشْملُ مختلفَ
العلُومِ والفنونِ والحِرَفِ والصِّناعاتِ، التي كانَ يُصَادفُها الإسكندر في كَافَّةِ
المدنِ التي يدخلُهَا، وكانَ يعاونُه في كتابةِ هذه التّقارير مَجموعةٌ ممتازةٌ من
العلَماَءِ الّذينَ يصْحبونَهُ دائماً، وكانَ عَدَدُ هذه المجموعةِ من العلماءِ يزدادُ
دائماً إذْ كان يَضُمُّ إليهم علماءَ آخَرينَ من كلِّ بلدة يدخلُهَا.
كانَ الإسكندرُ يقولُ إن العلومَ والآدابَ والفنونَ لا وَطَنَ
لَهَا إذ يَجِبُ أن تعُمَّ كافَّةَ المجتمعاتِ البشريةِ. فالجهلُ في رأيه هو ألدُّ
أعداءِ الإنسانِ.. وهو الّذي يدفعُهُ إلى الظُّلْمِ والقَسْوةِ والأنانيّةِ.
يقولُ بعضُ المؤرِّخين إنّ الأسكندرَ بعد أن تَكَلَّلَت
غَزَواتُه بالنَّصر وفَتْحِ مشرِقِ الأرضِ،كانَ يرَنْوُ بِبَصره نحوَ بقيّة شمالِ إفريقيا
والبلاد التي كانت تقعُ غربَ مصر.. كانت آمالُه لا تكادُ تعرفُ حُدودا،ً ولكنّه أصيبَ
بالحمّى، وكان جسْمُه القَويُّ قد أصيبَ بالإنهاكِ الشّديدِ، فلمْ يتمكّنِ من مقاومَةِ
المَرَضِ أكثرَ من أَحَدَ عَشرَ يَوْمًا..
محمد كامل حسين المحامي- عباقرة خالدون (الإسكندر الأكبر)
دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص113
رُوَان والقَلَم
قال نَابُلْيون: «عمادُ القُوّة في الدّنيَا اثنَانِ: السَّيف
والقلمُ. فأمّا السَّيفُ فإلى حينٍ، وأمَّا القلمُ فإلى كلِّ حينٍ. والسِّيفُ معَ الأيّامِ
مكروُهٌ ومغلُوبٌ، والقَلَمُ غَالِبٌ ومَحْبُوبٌ .»
رُوَان » فتاةٌ موهُوبةٌ جدًّا حَبَاهَا اللهُ مُنْذُ حَدَاثتِهَا
الشَّغْفَ بالكتابَةِ والتَّأليف،فكانت بخلاف أترَابِها تَقضي النَّهارَ كلَّه خلفَ
طاوِلَتها بينَ الأوراقِ والأرقامِ، غارِقةً في أفكارِها وقِصَصِهَا. حتّى أنّها كانتْ
لَا تَتَوَانَى عنْ إِكمالِ كِتَابَاتِها في المَسَاءِ، وَهيَ مُسْتَويّةٌ فِي سَريرَهَا.
ذَاتَ لَيْلَةٍ تَقَدَّمَ المنبِّه «من روان » وَقَال:
- مَاذَا تَكْتُبِينَ يَا «روان » بَدَلَ أَنْ
تَنَامِي الآنَ ؟
- أَكْتُبُ قِصَّةً بِعُنْوَانِ «فَضَائِلُ الْقَلَمِ » قَالتْ «روان »: وَلَنْ
يَغْمضَ لِي جَفْنٌ مَا لَمْ أُكْمِلْهَا يَا صَدِيقِي المُنَبِّهُ.
- وَهَل لِلْقَلَمِ فَضَائِل ؟! لَمْ أَسْمَعْ بِهذَا قَبْلاً يَا «روان !
»
- طَبْعًا.. وَأَنَا تعلَّمْتُ مِنهَا الكثيرَ.
تَعجّبَ المنبّهُ وَسَألهَا: -
مَاذَا تَعَلَّمْتِ يَا «روان ؟ أَمْسَكَتِ
القَلَمَ «روان » عَالِيًا وَقَالتْ : بَين وَقْتٍ وَآخَرَ، عَليَّ أَنْ أَشْحذَ القَلَمَ
كَاَ تَعْلمُ يَا مُنَبِّهي. وهذَا العَمَلُ يُسَبِّبُ لِقَلَمِي ألماً فظيعًا، ولكِّنَّه
بَعْدَهَا يَنْصَقِلُ وَيَتَجَدَّدُ ويُصْبِحُ أَكْثرَ صَلاَبَةً وَحِدَّةً. وهَذَا
علَّمَنِي أَنْ أَتَحَمَّلَ الإلمَ والمَصَائِبَ إنْ أَتَتْ، وَلَا تَنْسَ يَا مُنَبِّهِي
كَمْ أُخْطِئُ أَثْنَاءَ الكِتَابَةِ – أَضَافَتْ «روان .»
- صَحِيحٌ ! مَنْ مِنَّا لَا يُخْطِئُ ؟ - قإلى
المُنَبِّهُ.يل
- أنا عندَما أخْطِئُ – قَالتْ روان – أستعملُ
مباشَرةً المِمْحَاةَ التي تَعْلُو رَأَسَ القَلَمِ.
وهذا علَّمَنِي أَنَّ ارتِكَابَ الخَطَإِ لَيْسَ عِيبًا،
وإنَّما الإبقاءُ عَلَيْهِ ! وقَرَّبَتْ «رُوَان » القَلَمَ مِنَ المنَبِّهِ وسَألتْهُ:هَلْ
تَعْرفُ يا صَدِيقِي أَيْنَ تَكْمُنُ قيمةُ هَذَا القَلَمِ الفِعْليّةِ ؟
- طَبْعًا في جَمَالِهِ، انظُرِي إلى خَشَبِهِ
اللَّمَاعِ الملَوَّنِ !
- خَطَأٌ ! إنَّ قِيمَتَهُ لَ اتَكْمُنُ فِي لِبَاسِهِ
الخَشَبِيِّ المُلَوَّنِ بَل فِي رَصَاصِهِ مِنَ الدَّاخِلِ وَمَا يَسِيلُ مِنْهُ على
الوَرَقِ، مِنْ كَلِماَتٍ فَاضِلَةٍ وَأَحْرُفٍ وَرْدِيَّةٍ. وَهَذَا عَلَّمَنِي أَنَّ
اْلجَوْهَرَ هُوَّ القِيمةُ الحقيقيةُ لكلِّ إنسانٍ لا شَكلُهُ ولِبَاسُهُ.
نبيهة الحلبي - العربي الصغير العدد 210 مارس 2010دليل الأستاذ
للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص115
الوَاجِب والتّضحِية
يجبُ عَلَيْنَا أن نَتَعَلَّم مُحَاسَبَةَ أنفُسِنَا قبْل
أن نُحَاسِبَ النَّاسَّ، وقَبلَ أنْ يُحَاسِبَنَا النَّاسُ. يجبُ عليْنَا أَنْ نَكُونَ
أشدَّاءً على أنْفُسِنا، حتَّى نستطيعَ أنْ نحتفظَ بِهذَا الِميراثِ العَظِيمِ وأن
نُبَلِّغَهُ سَلِيمًا مِنْ بعْدِنَا.
يَجِبُ علينا – نحنُ حَامِليِ رَايَة القُرآنِ والدِّينِ
– أن نكونَ أقْوى رُوحًا، وأَعْظَمَ هِمَّةً، وأكثرَ تَضْحِيَةً مِنْ أُولئكَ المُبَشِّرينَ
والمُبَشرِّات، الّذينَ هَجَرُوا البلادَ والأوطانَ والصَّحْبَ والخلّان، وتركوُا
«باريسَ ولُنْدنَ ولَاهايَ » وغيْرها، يَجُوبُونَ أقْطَارَ الأَرْضِ لِلْقِيَامِ بِدَعْوتِهم
تَارِكِنَ الدُّنْيَا وَرَاءَ ظُهُورِهِم...
إنَّ الذِينَ جَاءُوا دِيَارَنا هذه لم يَكُونُوا أكثرَ
مِنَّا مَالاً وَوَلَدًا، إنَّما كانُوا أكثرَ منّا عِلمْاً ونِظَامًا. فَلْنَكُنْ
نحنُ دَعَاةً وبَنَاةَ العِلْمِ والنِّظَامِ، وَفِينَا واللهِ نَوَاةُ هَاتَين القُوّتَينِ،
ولْنَكُنْ مَعَ ذلكَ مثال الاسْتِقَامةِ الدِّينيَّةِ، فَدِينُنَا السَّمْح دينُ أعمالٍ
لَا دينَ أقْوَالٍ ولْنُحَارِب الزيغَ في الدّينِ، والضَلاَلةَ في الإسلامِ، فَالدِّينُ
الإساميُّ لا يتحمَّلُ زيغًا ولا ضلاَلةً...
فَلْنَعْمل قلْباً وقَالبًا على أَنَّنَا جنُودُ اللهِ،
نَنْصرُ دِينَهُ وَنُبَشرِ بِتَعَالِيمه ونُصْلِحُ حال أمَّتِه، فالأمانةُ الّتي وضَعَهَا
اللهُ سبحانه وتَعَالى على أعناقِنَا عظيمةٌ شاقةٌ...
العربي التبسِّي - المختار في الأدب والنّصوص -المعهد التربوي
الوطني - الجزائر دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص117
الحلُّ الأخِيرُ
خَرَجْتَ منَ الشَّركَةِ مَنهْوُكَ القوَى، كُنتَ تَرَى
بَعْضَ رِفَاقِكَ وَهُم يَرْكَبُونَ سَيَّاراتِهم وأنتَ لا تملكُ سيّارةً.. ضَغَطْتَ
على الجَرِيدَةِ الّتِي كَانَتْ مَلْفُوفَةً بينَ يَديكَ بِشِدَّةٍ.. تقدمْتَ خُطواتٍ..
أَشَارَ إليكَ أَحَدُهُم مِنْ نَافِذَةِ السَيَّارةِ مُوَدِّعًا..
رَدَدْتَ عليهِ فِي بُرُودَةٍ، وتَقَدَّمْتَ جِهَةَ الحَافِلَةِ..أَكْوَامٌ مِنَ البَشَر
وأَكْوامٌ... رَمَيْتَ بِثقَلِ نَفْسِكَ وَجِسْمِكَ وَسطَ الجَمِيعِ مُحَاوِلًا بُلُوغَ
هَدَفِكَ المنْشُودِ.. النَّاسُ يتخبَّطُونَ، طلبةٌ، طالباتٌ، عُمّلٌ، انتهازيُّونَ..
السَّائِقُ يَغْلِقُ البَابَ: )لن يَصْعَدَ أحَدٌ حَتَّى يأَذْنَ لَهُ أبَوُهُ( يلُقِي
عَليكُم خُطبْةً فِي الأدَبِ وأخُرَى في أدَبِ الرُّكوُبِ، وَأخُرى في الْمُقَارَنَةِ
بينَكُم أنتم العَرَبُ وشَعْب فِرَنْسَا،.. تَأْتِي الشُّرطَةُ تُنَظِّمُ السَّيْر
وِفْقَ إِرَادَتِهَا، لِتَجْعَلَهُ أَخِيرًا يَدْخُلُ قَطْرَةً، قَطْرَةً إلى دَاخِلِ
الحَافِلَةِ بِتَأَنٍّ.. طَأْطَأْتَ رَأْسَكَ مِنْ فَرطِ الغَضَبِ والفَشَلِ..
تَتَحَرَّكُ الحافِلَةُ بِبُطءٍ شَدِيدٍ، إِطَارُهَا يَبْدُو
مُلاَمِسًا لِلْأرْضِ لِثِقْلِ مَا احْتَوَتْ.. تُوَاصِلُ السَّيْر كُنْتَ تُرَاقِبُهَا
وَهِيَ تَتهَادَى إلِى أن غَابَتْ عَنْ عَيْنَيْكَ.. ثَبُتَ في مَكَانِكَ وَلَمْ تُحَرِّكَ
سَاكِنًا..السِّيَّارَاتُ تُمرُّ أَمَامَكَ مِنْ شَتَّى الأَنْوَاعِ...
بَقيتَ هُنَاكَ، تَأْتِي حَافِلَةٌ أُخْرَى.. تَعْقِدُ العَزْمَ
عَلَى الصُّعُودِ مَهْمَا كَلَّفَكَ ذَلِكَ.. تَدْخُلُ الحَلَبَةَ ثَانِيَّةً تَقْذِفُكَ
الأَمْوَاجُ المُتَلاَطِمَةُ إلى بَعِيدٍ.. تَكْتَظُّ الحَافِلَةُ.. تُقْلِعُ.. تَقِفُ
حَزِينًا كَئِيبًا.. أَضْوَاءُ المَدِينَةِ تَشْتَعِلُ.. لَمْ يَبْقَ أَمَامَكَ غَيْرالحَلِّ
الأَخِيرِ.. تُعِيدُ أَدْرَاجَكَ إلى مَوْقِفِ سِيّارَاتِ الأُجْرَةِ،
تُحَاوِلُ مَعَ أَحَدِهِم.. تَحْتَجُّ عَلَى اْلمَبْلَغِ..
يُذَكِّرُكَ بِأَنَّ اْلوَقْتَ لَيْلٌ.. تَصْعَدُ السِّيَارَةَ كَارِهًا.. تُحَاوِلُ
أن تَسْمَعَ حَدِيثَهُ عَنْ قِطَعِ الغيَارِ وَالعَجَلاَتِ.. وَفَسَادِ الطُّرُقِ..
و.. وتتوقف السّيَارَةُ.. تُعْطِيهِ اْلمَبْلَغَ.. يُصَبِّحُكَ عَلَ خَيْر.. تُتَمْتِمُ
بشَفَتَيْكَ، صَوْتٌ غَيْر مَفْهُومٍ، رُبَّما تَشْتُمُ أَوْ تَرُدُّ التَّحِيَّةَ.
يوسف شاوش بتصرّف - من المجموعة القصصية (الضيق) دليل الأستاذ
للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص119
مُعَانَاة «جَانْ فَالْجَان »
وأخيرًا وصلَ «جان فالجان » إلى بابِ السِّجنِ. وكانتَ سِلسْلةٌ
حَدِيدِيةَّ تتدلّى منَ الباَبِ مَشْدُودَةٌ إلى جَرَسٍ، فأَمَسَك بهِا وَقرَعَ. وفتُحِتْ
نافذةُ البابِ، وقال «جان فالجان » وهو يرفعُ قُلنُسوَتهَ احْتِرامًا: « سيدّي السّجّان
!! هل لكَ أن تفتحَ البابَ وتسمحَ لي بالمبيتِ هُناَ هذهِ الليّلةَ ؟ « فأجابَ صَوْتٌ:
«السّجنُ ليسَ فنُدقاً ! افِعلْ ما يحمِلُ الشُّرطةَ علَى اعْتقِالكِ؛ وعِندْئذِ نفتحَ
لكَ ! .»
وأوصِدَت نافذةُ البابِ، ووَاصلَ اللَّيلُ هبوطَه، وهبّتْ
ريحُ الأَلْبِ القارسة. وعلى ضَوْءِ النّهارِ المُحتضَر لَمَح «جان فالجان » شِبْهَ
كُوخٍ مَبْنِيٍّ من اللّبنِ، ودَنَا من الكُوخِ، كَانَ بَابُه مُجَرّدَ فَتْحَةٍ ضَيِّقةٍ
شَدِيدَة الانخِفَاضِ، وكانَ هو أشبهَ شَيءٍ بِتِلْكَ الأكواخِ الّتي يُقيمُها مُعَبِّدُو
الطّرُقِ لِأغراضِهِم المُؤَقّتة. ولَقَدْ ظنَّ الرّجلُ الغريبُ من غَيْر شَكِّ، أنّه
كان في الواقِعِ مَأْوَى مُعَبدِّي الطّرقِ. وكان يُقاسِي ألمَ البردِ والجوعِ معاً،
ولقد أذْعنَ للجوعِ واحْتَمَلَه ولَكِنْ هَهُنَا وِقَايةٌ من البَردِ على الأقلّ. ولقد
جَرَتِ العادةُ أن يَكُون هذا الضّْربُ من الأكواخِ غيرَ آهلٍ في أثناءِ اللَّيل.فانْطَرحَ
على الأرضِ وزَحَفَ إلى الكوخ. كان الجوُّ دافئاً هناكَ، ولقد وَجَدَ ثمّةَ فِراشاً
جيّداً من قشِّ، واسْتَراحَ على هذا الفراشِ لحظةً عجزَ خلالها على أن يأتيَ بحركةٍ
لشدّةِ ما ألمَّ به من الإِعْيَاء... وفَجْأةَ طرقَ سمْعَهُ نباحُ ضارٍ، فرفعَ عينيْه،
فإذا به يَرَى عندَ وَصِيدِ الكُوخِ كَلْبًا ضخمَ الرّأسِ والعُنُقِ. كان ذلك المكانُ
وِجارَ كَلْبٍ !
وكان هو نفسُه شديدَ البأسِ راعِبا؛ فَشَهَرَ عَصَاهُ، وغادرَ
الوِجارَ على خَيْر ما كَان في وُسْعِه أن يفعلَ ومرّة أخرى ألفَى نفسَه طَرِيدًا حتّى
من الفِرَاشِ القشِّيّ الّذي وقَعَ عليهِ في ذلكَ الوِجارِ الحقيرِ ! ثمَّ إنّه طَرحَ
نفْسَه – ولا نقولُ جَلَسَ – على حَجَرٍ، وقال بينَهُ وبينَ نَفْسَه :«أنا لسْتُ حتّى
كلبًا ! »
فيكتور هيجو (البؤساء) - ت. حافظ إبراهيم دليل الأستاذ للسنة
الأولى من التعليم المتوسط ص121
التّجْرِيبُ عَلَ الحَيَوَانِ والأخْلاَقُ !
لَمْ يَكُنْ التَّقَدُّمُ العِلْمِيُّ المُذْهِلُ، إلذِي
تَحَقَّقَ في القَرْنِ الْعِشْرين بِغَير ضَحَايَا أَبْرِيَاء،تُسْفَكُ دِمَاؤُهُم
عَلى مَذْبَحِ البَحْثِ ! عَلى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّقَدُمَ الهَاِئلَ،
جَعَلَ حَيَاةَ الإنْسَانِ يَسِيرَةً مُرْفَّهَةً، إِلاّ أَنَّهُ بَنَى صَرحَهُ على
مَلاَيينِ الجُثَثِ ! فَفِي مُخْتَلَفِ المَعَامِلِ وَمَرَاكِزِ الأبْحَاثِ المُنْتَشرِةِ
فِي شَتَّى بِقَاعِ الْمَعْمُورَةِ، يَقْتُلُ سَنَوِيًّا قُرَابَةَ مَائَةٍ وأَرْبَعِينَ
مِلْيُونَ حَيَوانٍ !
مَا هُوَ المبرر لِقَتْلِ الحَيَوَانِ فِي المَعْمَلِ؟ وَهَلْ
تَبْريرُ الإنْسَانِ لِهَذَا الفِعْلِ مَعْقُولٌ مسُتسَاغ ؟! وَقَبْلَ هَذَا وَذَاكَ،
لِماَذَا يَثُوُر الجَدَلُ حَوْلَ حَيَوانَاتِ التَّجَارِبِ، وَهِي كَائِنَاتٌ لَيْسَ
لَهَا – فِي نَظَرِ الكَثِيرِينَ – كَبِيرُ وَزْنٍ أَوْ رَفِيعُ قِيمَةٍ ؟!
الأَغْلَبِيَّةُ العُظْمَى مِنْ حَيَوانَاتِ التَّجَارِبِ،
تَلْقَى حَتْفَهَا مِنْ جَرَّاءِ تَعْرِيضِهَا لِابْتِلاعِ مَوَادَّ كِيمْيَائِيَّةٍ
مُخْتَلِفَةٍ، تَتراوَحُ أَهَمِيَّةً بَين الأَدْوِيَةِ والأَمْصَالِ، وتَنْتَهِي عِنْدَ
أَنْوَاعِ التَّبْغِ وَمُسْتَحْضَراتِ التَّجْمِيلِ ! وَبَين هَذَيْنِ الطَّرَفَينْ،
يَجْرِى عَدَدٌ هَائِلٌ مِنَ التَّجَارِبِ لِلتّأكُّدِ مِنْ سَلامَةِ المَوَادِّ الكَثِيرَةِ
المُسْتَخْدَمَةِ فِي اْلمَنَازِلِ، وَلِضَماَنِ فَعَالِيَّةِ مُبِيدَاتِ الحَشرَاتِ،وَاخْتِبَارِ
تَأْثِيرِ مُلَوِّثَاتِ البيئة.
وَبَعْضَ هَذِهِ التَّجَارِبِ يُؤَدِّي إلى حُرُوقٍ وَجُرُوحٍ
في جِسْمِ الحَيَوَانِ، وَفِي الْبَعْضِ الآخَرِ مِنَ التَّجَارِبِ تَكُونُ الِإصَابَةُ
لِلْحَيَوَانِ مُتَعَمِّدَةً، لِمُحَاكَاةِ المَوْقِفِ عِنْدَ الإِنْسَانِ !
وَمُعْظَمُ تَجَارِبِ الأَدْوِيَّةِ وَالمُسْتَحْضَراتِ
الطِّبِيَّةِ الكَثِيرَةِ، تَأْخُذُ الطَّابِعَ الكِيمْيَائِّ. وَيُقَدِّرُ أَنَّ نِصْفَ
حَيَوَانَاتِ التَّجَارِبِ اَّلِتي تُموتُ فِي مَعَامِلِ الأَبْحَاثِ، تَكُونُ ضَحِيَّةَ
تَجَارِبِ الدَّوَاءِ.
ونَتِيجَةً لِذَلِكَ، عُقِدَتْ نَدَوَاتٌ وَمُنَاظَرَاتٌ
مُتَعَدَّدَةٌ، طُرِحَتْ فِيهَا القَضِيَّةُ على بِسَاطِ البَحْثِ، وَأدَلى فِيهَا
كُلُّ طَرَفٍ بِدَلْوِهِ. وَمِنْ مُحَصَّلَةِ الآرَاءِ وَالأَفْكَارِ، أَنَّ البَحْثَ
العِلْمِيِّ هُوَ بِحَقِّ ضَرورَةُ حَيَاةٍ للإِنْسَانِ، وَبِدُونِهِ يْمكِنُ أَنْ
تتقَوضَ دَعَائِمُ هَذِهِ الحَضَارَةِ الحَدِيثَةِ،إلتي تُعْتَبر خُلاَصَةَ وَنِتَاجَ
الفِكْرِ البَشرَيِّ لِقُرُونٍ عِدَّةٍ. بيَد أنَهَّ مِنْ غير المقبُولِ في الوَقتْ
نَفْسِهِ، أَنْ يَتَّخِذَ الإنْسَانُ مِنَ البَحْثِ العِلْمِيِّ ذَرِيعةً لِقَتْلِ
الملاَيِينِ الغَفِيرَةِ مِنَ الحَيَوانِ،فِيماَ يَهُمُّ وَمَا لَا يَهُمُّ مِنَ التَّجَارِبِ.
وَاتَّفَقَتِ الآرَاءُ على أَنَّ التَّجَارِبَ على الحَيَواَنِ
يَجِبُ أَنْ تُقَنَّنَ، وَأَنْ تَحْكُمَهَا مَعَايِيرُ أَخْلَاقِيَّةٌ، تَحُولُ دُونَ
تَعْرِيضِ الحَيَوانِ لِلْعَذَابِ، وَتَحُولُ فِي ذَاتِ الوَقْتِ دُونَ وُقُوعِ كَارِثَةٍ
بَيْئِيَّةٍ بِإِبَادَةِ أَجْنَاسِ الحَيَوَانِ.
د. عبد الرّحمن عبد اللّطيف النمر- مجلة العربي العدد
625 ديسمبر دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص123
زِرَاعَةُ الفَضَاءِ بِالنَّبَاتَاتِ
فِي بَعَثَاتِ رُوَّادِ الفَضَاءِ في المُسْتَقْبَلِ القريبِ
خَاِرجَ مَدَارِ الأَرْضَ، سَوْفَ يَكُونَ مِن الضرورِيِّ زَرَاعَة المَحَاصِيلِ الغِذَائِيَّةِ،
فَرِحْلَةٌ فَضَائِيَّةٌ إلى كَوْكَبِ المَرِّيخِ قَدْ تَسْتَغْرِقُ عَامًا على الأَقَلِّ،
سَيَكُونُ مِنَ الصَّعْبِ مَعَهَا حَمْلُ احتيَاجَاتِهِم مِنَ الطَعَاِم التِي تَكْفِيهِم
لِمِثْلِ تِلْكَ الفَترَاتِ الطَّوِيلَةِ، لِذَلِكَ فَسَوْفَ تَتِمُّ زِرَاعَةُ الْمَحَاصِيلِ
الزِّرَاعِيَّة على مَتن المَرْكَبَاتِ الفَضَائِيَّةِ وَعلى سَطْحِ القَمَرِ وَاْلكَوَاكِبِ.
وَنَقُولُ إِنَّ ذِلَك سَيَتِّمُ في المُسْتَقْبَلِ القَرِيبِ
لِلْغَايَةِ، لِأنَّهُ مُنْذُ حَوَالِ عَشرَةِ أَعْوَامٍ وَحَتَّى الآنَ تَمَّ اخْتِبَارُ
زِرَاعَةِ النَّبَاتَاتِ بِاْلفِعْلِ في مَحَطَّةِ الفَضَاءِ الدَّوْلِيَّةِ، والْيوم،وَبِدَاخِلِ
غُرْفَةٍ مُجَهَّزَةٍ تُسَمَّى «لادَاَ »، تَمَّ تَطْوِيرُهَا في مُخْتَبرَاتٍ فَضَائِيَّةٍ
أَمْرِيكيّة وَرُوسيّة،ٍ تَّمتْ زِرَاعَةُ عَدَدٍ مِنَ المَحَاصِيلِ الزِّرَاعِيَّةِ
مثل القَمْحِ والبَازلَاء، الّتي نَمتْ في الفَضَاءِ دُونَ أيِّ آثَارٍ جَانِبِيَّةٍ
مَلْحُوظَةٍ.
كَامَ تَّمت تَجْرِبَةُ زِرَاعَةِ بَعْضِ النَّبَاتَاتِ
على سَطْحِ اْلقَمَرِ، وَكَوْكَبِ المَرِّيخِ بِتِقْنِيَّةِ الزِّرَاعَةِ المَائِيَّةِ،
وتكُونُ النَّبَاتَاتُ قَادِرَةً على النُّمُوِّ مِنْ دُونِ تُرْبَةٍ، حيثُ يَتِمُّ
تَزْويدُهَا بالمَاءِ والعَنَاصِر الغِذَائِيَّة اللاَّزِمَة لَهَا في صُورَةِ سَائِلَةٍ،
)تَمامًا كَماَ نَفْعَلُ حِنَ نَضَعُ وَرْدَةً في كُوبٍ مُمْتَلِئٍ بالمَاءِ(، وَمِنَ
السَّهْلِ أَنْ تَحْصلَ تِلْكَ النّباتاتُ على مَا تَحْتَاجُهُ مِنْ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ،
التي تَصِلُ إلى جَمِيعِ أَنْحَاءِ كَوْنِنَا الوَاسِعِ.
على مُسْتَوَى المرّيخ يُوجَد غلافٌ جُوِّيٌّ يُوفِّرُ حِمَايَةً
كافيَّةً لِتِلْكَ النَّباتَاتِ،وبالإضَافَةِ لِلْحِمَايةِ فسوفَ نَقُومُ بِتَوْلِيدَ
غَازِ الأُكْسِجِين اللاّزِمِ لِلْحَيَاةِ
)نَحْنُ نَعْرفُ أَنَّ النَّبَاتَاتِ بِشَكْلٍ عَامٍ تَتَغَذَّى بِطَرِيقَةٍ
عَكْسِيَّةٍ لِلْإنْسَان، أَيْ أنّها تْمتَصُّ ثَانِي أُكْسِيد الكَرْبُون وتَبُثّ
غازَ الأُكْسِجِين(، وَبِذَلك تَكُونُ بَدِيلاً مُنَاسِبًا لِتِلْكَ المُعِدَّاتِ والآلاتِ
التِّي تُسْتَخْدَمُ في تَوْلِيدِ الأُكْسِيجِين بِطَرِيقَةٍ مِيكَانِيكِيَّةٍ، وعَلَيْه
يْمكِنُ بِنَاءُ المستعمراتِ
الفضائيّةِ دُونَ الحَاجَةِ إلى الانْتِقَالِ بكلِّ تِلْكَ
المًعِدَّاتِ إلى الفَضَاءِ.
وَأَيًّا كَانَ شَكْلُ المَزَارِعِ الفَضَائِيَّةِ في المُسْتَقْبَلِ
فإِنَّهَا سَوْفَ تَكُونُ جُزْءًا لا يتجزَّأُ مِنْ بَرَامِج اسْتِكْشَافِ الفَضَاء
التِّي سَتُصْبِحُ بِلاَ قِيمْةٍ دُونَ تَوْفِيرِ مَصْدَرٍ لِلْغِذَاءِ المتجَدِّدِ
كالّذِي تُقَدِّمُهُ المَزَارِعُ الفَضَائِيَّةُ.
د.مُنى فوزي-العربيّ الصّغير، العدد: 256 يناير 2014دليل
الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص125
البَرَاكِينُ ثورات باطن الأرض
البَراكِينُ مِنَ الظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ إلتِي لا
نَسْتَطِيعُ مَنْعَ كَوَارِثِهَا، مِنْ تَدْمِيرٍ وَفَنَاءٍ وَتَلَوُّثٍ جَوِيٍّ. فَالبركَانُ
المُتَوَسِّطُ الشِّدَّةِ تَنْتُجُ عَنْه طَاقَةٌ حَرَارِيَّةٌ أَكْثرَ أَلْفَ مَرَّةٍ،
مِنَ الطَّاقَةِ النَّاتِجَةِ مِن انْفِجَارِ قُنْبُلَةٍ نَوَوِيَّةٍ.
يَتَكَوَّنُ البركَانُ مِنْ عِدَّةِ أَجْزَاءٍ، مِنْهَا
مَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ في بَاطِنِ الأَرْضِ،وَأَوَّلُ جُزْءٍ ظَاهِرٍ
هُوَ المَخْرُوطُ، وَيُشْبِهُ التَلَّ الصَّغِرَ وَالجُزْءَ الثَّانِي هُو الفَوْهَةُ
وتوُجَدُ أَعلى قِمَّةِ البركَانِ، وَهِي الفَتْحَةُ إلتِي تَخْرُجُ مِنْهَا الحِمَمُ )الرَّمَاد الملْتَهِبُ(، أَمَّا عُنُقُ البركَانِ
فَهُوَ تَجْوِيفٌ أُسْطُوَانِي، يَصِلُ بَين الفَوْهَة وَخَزَّانِ الحمَمِ في بَاطِنِ
الأَرْضِ،وَهَذَا الخَزَّانُ يَقَعُ على أَعْماَقٍ بَعِيدَةٍ مِنْ سَطْحِ القِشرةِ
الأَرْضِيَةِ، حَيْثُ تَكُونُ دَرَجَاتُ الحَرَارَةِ والضَّغْطُ أَعلى مَا يْمكِنُ.
وَتُقَسَّمُ البَراكِينُ حَسْبَ قُوَّتِهَا وَنَشَاطهَا
إلى:
1- بَرَاكِنَ نَشِطَةٍ: وَهِي التِي في حَإلةِ
نَشَاطٍ وَثوْرَةٍ دَائِمةٍ، مَعَ وُجُود فَترَاتِ هُدُوءٍ مِثْل بُرْكَان فِيزُوف
بِإيطَالِيَا.
2- بَرَاكِينَ هَامِدَةٍ: وهِي التِي لَمْ يُسَجَّلْ
لَهَا نَشَاطٌ، مِثْل بُرْكَان أوفِيرُون في فَرَنْسَا.
3 - بَرَاكِنَ هَادِئَةٍ: وَهِي التِي يَفْصِلُ بَين مَرَّاتِ ثَوَرَاتِهَا،
فَترةٌ زَمَنِيَّةٌ طَوِيلَةٌ تَصِلُ إلى مِئَاتِ السَّنِين.وَأَشْهَرُ البَراكِينِ
هُوَ بُرْكَانُ فِيزُوف، وَبَدَأَ نَشَاطُه عَام 79 قَبْلَ الِميالَدِ واسْتَمَرَّتْ
ثَوْرَتُه 16 عَامًا، ودُفِنَتْ تَحْتَ رَمَادِهِ مَدِينَةُ بُوْمِبي، وَظَلَّتْ لِمُدَّةِ
1700 عَام حَتَّى أُزِيحَ عَنْهَا طَبَقَاتُ الرَّمَادِ، اَّلتِي بَلَغَ سُمْكُهَا
6 أَمْتَارٍ، لِيُشَاهِدَ النَّاسُ
آثَارَ الدَّمَارِ،وظَلَّ البركَانُ خَامِدًا مُدَّةَ 1500 عَام ثًمَّ بَدَأَ ثَوْرَتَهُ
الجَدِيدَة عَام 1631 ، وَمُنْذُ هَذَا التَّارِيخِ وَهُوفي حَالةِ نَشَاطٍ.
بِالرَّغْمِ مِنْ خَطَرِ البَراكيِنِ وَآثَارِهَا التَّدْمِيرِيَّة،
إلى أَنَّ لَهَا بَعْضَ المَنَافِع، فَالجُزُرُ المَوْجُودَة بِالمُحِيطِ الاطْلَنْطِي
هِي نِتَاجُ ثَورَاتِ البَراكِينِ، كَماَ أَنَّ نَوَاتِجِ البَراكِينِ مِنَ الرَّمَادِ
وَبَعْضِ المَوَاِّد الصَّلْبَة، تَحْتَوِي على عَنَاصِر مخُصَّبَة لِلتُّربَةِ، مِثْل
تُرْبَة أَيْسَلنْدَا
وإِنْدُونِيسْيَا وَسِيلاَن، وَثَوْرَةُ البَراكِين تُخْرِجُ
مِنَ الحِمَمِ بَعْضَ المَعَادِنِ، التِي يَحْتَاجُ إليْهَا الإنْسَانَ مِثْل الكِبْريت
والزِّئْبَق، كَماَ يَنْبَعِثُ مِنْ بَاطِنِ الأَرْضِ مِياهٌ طَبِيعِيَّةٌ ذَات دَرَجَة
حَرَارَة عَالِية نِسْبِيًّا، يُطْلَقُ عَلَيْهَا اليَنَابِيعُ الحَارَّةُ، وَهِي غَنِيَّةٌ
بِالمَوَادِ المَعْدَنِيَّةَ،يْمكِنُ اسْتِخْدَامُهَا لِتَدْفِئَةِ المَنَازِلِ كَماَ
في نيُوزِلَنْدَا، كَماَ أَنَّ نَشَاطَ البَراكِين يُؤَدِّي إلى تَكْوِينِ مُنْخَفَضَاتٍ
مُسْتَدِيرَةٍ تُشْبِه الفَوْهَاتِ البُركَانِيَّةِ، يَصِلُ قطْرُهَا أَحْيَانًا إلى
50كيلومتراً وَهَذِه المُنْخَفَضَاتُ تُسَمَّى الكَالِدْيرَا، وَعِنْدَمَا تَسْقُط
عَلَيْها الأَمْطَارُ تُصْبِحُ بُحَيراتٍ مِنَ المَاءِ العَذْبِ مِثْل بُحَيرةِ كرَاتر.
محسن حافظ -العربيّ الصّغير، العدد 210 مارس 2010 دليل الأستاذ
للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص127
أَخْطَارُ ازْدِيَادِ حَرارَةِ الأرْضِ
تُعدُّ ظاهِرةُ تَغَيرُّ المُنَاخِ، مِنْ أَكْثر الظَّوَاهِرِ
البَيْئِيَّةِ الّتِي شَغَلَتِ العَالمَ خلال العِقْدَيْنِ الأَخِيرَيْنِ، وَمِنْ أَكْثَر
المُشْكِلاَتِ الّتي تُشَكِّلُ مِحْوَراً رَئِيسًا،في مُعْظَمِ المُؤتَمرَاتِ والمُنْتديَاتِ
العالميَّةِ والإقليميّةِ والبيئيّةِ، بِسَبَبِ آثَارِهَا اْلكَبِيرَةِ المُحْتَمَلَةِ
في شَتَّى مَنَاحِي الحَيَاةِ.
وقَدِ اخْتَلَفَ العُلَماَءُ والبَاحِثُونَ حَوْلَ أَسْبَابِ
هَذِهِ الظَّاهِرَةِ، غَير أَنَّ تَقَارِيرَ الهَيْئَاتِ الدَّوْلِيّةِ وإجماعَ مُعْظَمِ
الخُبراءِ، يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الأَنْشِطَةَ البَشَريَّةَ الّتي تَشْهَدُ زِياَّدةَ
هائِلَةً كُلَّ عَامٍ، تُعَدُّ السَّبَبُ الرّئِيسُ لهذِهِ الظَّاهِرَةِ.
ويُقَدِّرُ خبراء الهَيْئَةِ الدَّوْليَّةِ أَنَّ حَرَارَةَ
الأَرْضِ سَترتَفِعُ بَينْ 0.3 درجة في أَفْضَلِ
الحَالاتِ، و 4.8 درجاتٍ في أَسْوَإِ التَّقْدِيرَاتِ،
مُقَارَنَةً بالمُعَدَّلِ الوَسِيطِيِّ المُسَجِّلِ لِدَرَجَاتِ الحَرَارَةِ بينَ عَامَيْ 1986 و 2005 ، فِيماَ تُظْهِرُ السِّجِلات العَالمِيَّةُ أَنَّ حَرَارَةَ الكُرَةِ الأرضيَّةِ،
ارتَفَعَتْ نَحْوَ 0.8 دَرَجَةٍ مِئَوِيَّةٍ مُنذُ الحِقْبَةِ مَا قَبْلَ
الصِّناعيّة.
ويرتَبِطُ هَذَا التَّبَايُنُ في التّقْدِيراتِ بِصُورَةٍ
أَسَاسيّةٍ، بكميّاتِ من الغَازَات الدَّفِيئَةِ المُنْبَعِثَةِ في الغِلافِ الجوِّي
في العُقُودِ المُقْبِلَةِ، وهي الغَازَاتُ المتّهمَةُ بأنّها السَّبَبُ الرّئيسُ لارتِفَاعِ
حَرَارَةِ الكُرَةِ الأرضيَّةِ، وحُدُوثِ مَا يُعْرَفُ بِتَغَيّر المنَاخِ، وفي مُقدّمتِهَا
ثَانِ أُكْسيد الكَرْبون.
والاحْتِمالُ المُتَفَائِلُ الّذي أوَرْدَتَه الهَيْئَةُ،
هُو أَنْ تَرْتَفِعَ حَرَارَةُ الكُرَةِ الأرضيّةِ إلى ) 0.3 (دَرَجَة فَقَط، وهو مَا
يُتْيحُ احتَواءَ الارْتفَاعِ في حَرَارَتِهًا عِنْدَ مُسْتَوَى دَرَجَتَينْ مِئَوِيَّتَيْ،مُقَارَنَةً
بالحِقْبَةِ مَا قَبل الصِّناعيّةِ، وَهَذا هو الهَدفُ الّذي يَسْعلى المجتمعُ الدوليُّ
إلى تَحْقِيقِهِ .
وتوقَّعَت الهيئَةُ الدَّوليّةُ في آخرِ تَقَارِيرِها، أَنَّ
ارتفاعَ حَرَارَةِ الكُرةِ الأرضيّةِ قَدْ يُؤَدِّي إلى ظَوَاهِرَ مناخِيّةٍ قَاسِيةٍ،
على الرّغْمِ مِنْ أَنَّ الهيئَةَ لا تستطيعُ تحديدَ مَلاَمِحِ تِلكَ الظّوَاهِر وآثارِهَا
بِصُورَةٍ حَازِمَةٍ.
وعَلّقت الأَمِينَةُ التَّنْفِيذِيَّةُ لاتِّفَاقِيَّةِ
الأُمَمِ المتّحدة بِشَأْنِ تغيرُّ المنَاخِ » كرِيْستِينَا فيغِرس » قَائِلةً: » نَعْلَمُ
أَنَّ الجهودَ الرّاميّةَ إلى الحَدِّ مِن ارتفاعِ حَرَارَةِ الكرةِ الأرضيّةِ ليست
كافيةً للحَدِّ من ارتفاع انبعَاثاتِ الغَازاتِ الدَّفِيئةِ، وأهَمُّهَا غازُ ثَاني
أُكسيد الكَربون النَّاتِجُ بشكلٍ أسَاسيٍّ عَنِ الأنْشِطَةِ الصِّنَاعيّةِ.
د. عبد الله بدران بتصرّف-مجلة العربي العدد 662 يناير
2014 - ص: 174 إلى ص 178
دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص129
اجتلاءُ العيد
جاءَ يومُ العيدِ، يومُ الخُروجِ من الزّمن إلى زمنٍ وحده
لا يستمرُّ أكثرَ من يوم.زمنٌ قصيٌر ظريفٌ ضاحكٌ، تفرضُهُ الأديانُ علَ النَّاسِ؛ ليكونَ
لَهم بين الحينِ والحينِ يومٌ طبيعيُّ في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها.
يومُ السَّلام، والبِشْر، والضَّحك، والوفَاء،ِ والإِخَاءِ،
وقولِ الإنسانِ للإنسان: وأنتم بِخَيٍْر
يومُ الثّيابِ الجَديدةِ على الكُلِّ؛ إشعاراً لهم بأنَّ
الوَجْهَ الإنسانيَّ جديدٌ في هذا اليَوْمِ.
يومُ الزِّينةِ الّتي لا يُرادُ منها إلّ إظهارَ أثَرِهَا
على النَّفس، ليكونَ النّاسُ جميعًا في يومِ حُبٍّ.
يومُ العيدِ؛ يومُ تَقْديمِ الحَلْوى إلى كُلِّ فمٍ لِتحلوَ
الكلماتُ فيه...يومٌ تعُمُّ فيه النّاسَ ألفاظُ الدُّعَاءِ والتّهنئةِ مُرْتَفِعةً
بقُوّة إلهيّةٍ فوقَ مَنَازَعَاتِ الحَيَاةِ.ذلك اليومُ الّذي يَنْظُرُ فِيهِ الإنسانُ
إلى نَفْسِهِ نظرةً تلمحُ السّعادَةَ، وإلى أهله نظرةً تبصرُ الإعزَازَ، وإلى دارِه
نظرةً تُدركُ الجمإل، وإلى النَّاس نظرةً ترى الصّداقةَ.
ومن كلِّ هَذه النّظراتِ تستَوي لَهُ النّظرةُ الجميلةُ
إلى الحيَاةِ والعَالم؛ فتبتهِجُ نَفْسُهُ بالعَالم وِالحَيَاةِ.وخرجتُ أجتلي العيد
في مظهره الحقيقي على هؤلاء الأطفال السّعداء.
على هذه الوجوه النّضرة الّتي كبِتْ فيها ابتسامات الرَّضاع
فصارت ضَحِكات.هؤلاء المجتمعون في ثيابهم الجديدة المصَبَّغة اجتماع قَوس قُزَحَ في
ألوانه.ثيابٌ عَمِلتْ فيها المصانع والقلوب، فلا يتمُّ جمالها إلاّ بأنْ يراها الأب
والأمّ على أطفالهما.
ثيابٌ جديدةٌ يلبسونها، فيكونون هم أنفسهم ثوباً جديداً
على الدّنيا.
هؤلاء السَّحَرةُ الصّغار الّذين يُخرِجون لأنفسهم معنى
الكَنزِ الثّمين من قرشين...ويَسْحَرونَ العيدَ فإذا هو يومٌ صغيرٌ مثلُهم جاءَ يدعوهم
إلى اللَّعِب. وينتبهون في هذا اليوم مع الفجر، فيبقى
الفجرُ على قلوبهم إلى غُروب الشمس.
مصطفى صادق الرافعي (وحي القلم) دليل الأستاذ للسنة الأولى
من التعليم المتوسط ص133
عيد الفطر المبارك: تهنئة به إلى الأمة الجزائرية
كنّا قبل اليوم نهنّئ الأمّة الجزائريّة بمثل هذا العيد
و ليس لها من مظاهر السّعادة ما تهنأ به إلاَّ ما نرجوه لها و نأمل.أماّ اليوم، فإنّنا
نهنّئها و هي في طورٍ جديدٍ من أطوار حياتها هو أساس سعادتها، طور سامَتْ به شقيقاتها
هُناَ و هنالك، فنُهنّئها و من أبنائها من هو سجين في سبيل العلم و الهداية، و من هو
سجين في سبيل السياسة و الحقوق المغْصُوبة.
أمّة أخذت تقدّم الضحايا في سبيل سعادتها، أمّة أخذت تقدّم
الضّحايا في سبيل سعادتها، حقيقة بأن تنال السّعادةَ، وبأن تهنأ بها، فتهانينا إليها
بعيدها و سعاداتها.
عبد الحميد بن باديس-المختار في الأدب والنّصوص-المعهد التربوي
الوطني الجزائري
دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص131
الاحتفال بالمولِد النَّبويّ الشّريف
جَرتَ سُنةَّ المُسْلِمين – بعدَ قُرُونِهم الأولى- أن يَحْتَفِلُوا
في شَهْرِ رَبِيع الأوَّلِ مِنْ كُلِّ عامٍ بِذِكْرَى ميلادِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ
صَىَّ اللهُ عليه وسَلَّم، وكَانَ لَهُم في الِاحْتِفالِ بهذِه الذّكْرَى أَسَاليبُ
تَخْتَلِفُ باخْتِلافِ البِيئاتِ والبُلْدَانِ.
وتُعْنَى أقلامُ الكُتَّابِ وأَلْسِنَةُ الْمُتَحَدِّثن
بالمَقَالاتِ والأحَادِيثِ، يَنْشُرونَهَا ويُذيعونَهَا على النَّاس، يُذَكِّرُونَهم
فيها بِعَظَمَة مُحَمَّدٍ وشَمائِلِه الّتي فُطِر عَلَيْهَا، وعُرِفَ بِهَا في أَهْلِهِ
وبينَ قَوْمِهِ.
يومَ أن كان غُلامًا يَرْعلى الغَنَم، ويَعْزِفُ بِنَفْسِه
عما يَألفُه أَقْرَانُه من مَجَالسِ اللّهْوِ
واللَّعِبِ.
ويَوْمَ كان شَابًّا جَلدْا يَحْضُر مَعَ أعْمامِهِ حَرْبَ
الفِجارِ وحِلْفَ الفُضُولِ.
ويومَ أَنْ كَانَ رَجُلاً مُكْتَمِلاً وافِرَ العَقْل، يَرْضاهُ
قَوْمُه حَكَمًا في النّزَاعِ يشْجرُ بينَهم.
وَيَوْمَ كَانَ مُلْتَهِبَ الفِطْرةِ في صِلَتِه بالله،
فيَفِرُّ من ظُلمةِ الدُّنيا وجَهالتِها إِلى التَّحَنُّثٍ والأُنْسِ بِنُورِ الإِيمانِ
الفِطْريِّ.
ويَوْم كَانَ هَادِيًا مُرْشِدًا، يَتَعَهَّدُهُم بالحِكْمةِ
والمَوْعِظَةِ الحسَنَة، ويُبَشر مَنْ أجابَ ويُنْذِرُ مَنْ أبى.
ويوم أن خَرَجَ مِنْ نِطَاقِ الحَدِيدِ والنّار اّلذي ضَربه
قومُهُ حَوْلَ بَيْتِه، لِيَضْربوه ضَربَةً واحدةً يَتَفَرَّقُ بها دَمُهُ في القَبَائِل
فَيَسْرَيحُوا مِنْهُ ومِنْ دَعْوَتِهِ.
ويَوْمَ أَنْ صَارَ في المَدِينَةِ قَائِداً يتقدَّمُ الصُّفوفَ،
ويتّقي بِهِ أصْحَابُه.
ويوم أن كانَ حَاكِماً يُقيمُ الوزنَ بالقِسط، لاَ يَعْرِفُ
نفسَه ولا أهلَهُ في إِقَامَةِ حدِّ اللهِ وشَرعِه.
الإمام محمود شلتوت (من توجيهات الإسلام) دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص135
المولد النّبويّ الشّريف عند الأزهريّين
ألمْ يَكُونُوا جَمِيعاً يَتَحَدَّثُونَ بِعَوْدَتِهِ قَبْلَ
أَنْ يَعُودَ بِشَهْرٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَقْبَلُوا إليْهِ فَرِحِينَ مُبْتَهِجِينَ
مُتَلَطِّفِينَ، ألمْ يَكُنْ الشَّيْخُ يَشربُ كَلاَمَهُ شَربًا، وَيُعِيدُهُ عَلَى
النَّاسِ في إِعْجَابٍ وَفَخَارٍ. ثُمَّ هَذَا الْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ مَوْلِدِ
النَّبِيِّ، مَاذَا لَقِيَ الأزْهَرِيُّ مِنْ إِكْرَامٍ وَحَفَاوَةٍ وَمِنْ تَجِلَّة
وَإِكْبَارٍ. كَانُوا قَدِ اشْتروْا لَهُ قُفْطَانًا جَدِيداً وَجُبَّةً جَدِيدَةً
وَطُرْبُوشاً جَدِيداً وَمَرْكُوباً جَدِيداً. وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ بِهَذَا الْيَوْمِ،
وَمَا سَيَكُونُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُظِلَّهُمْ بِأَيَّامٍ.حَتَّى إِذَا أَقْبَلَ هَذَا
الْيَوْمُ، وَانْتَصَفَ أَسْرعَتِ الْأسْرةُ إلى طَعَامِهَا فَلَمْ تُصِبْ مِنْهُ إِلاَّ
قَلِيلاً،
وَلَبِسَ الْفَتَى الأزْهَرِيُّ ثِيَابَهُ الْجَدِيدَةَ،
وَاتَّخَذَ فيه َذَا الْيَوْمِ عِمَامَةً خَضراءَ، وَأَلْقَى عَلَى كَتِفَيْهِ شَالاً
مِنَ الْكِشْمِيرِ؛ وَأُمُّهُ تَدْعُو وَتَتْلُو التَّعَاوِيذَ، وَأَبُوهُ يَخْرُجُ
وَيَدْخُلُ جَذْلاَنَ مُضْطَرِبًا.حَتَّى إِذَا تَمَّ لِلْفَتَى مِنْ زِيِّهِ وَهَيْئَتِهِ
مَا كَانَ يُرِيدُ، خَرَجَ فَإِذَا فَرَسٌ يَنْتَطِرُهُ بِالْبَابِ، وإِذَا رِجَالٌ
يَحْمِلُونَهُ فَيَضَعُونَهُ على السرجِ، وَإِذَا قَوْمٌ يَكْتَنِفُونَهُ مِنْ يِمينٍ،
وَمِنْ شِماَلٍ، وآخَرُونَ يَسْعَوْنَ بَينْ يَدَيْهِ، وَآخَرُونَ يْمشُونَ مِنْ خَلْفِهِ،
وَإذَا الْبَنَادِقُ تُطْلَقُ في الْفَضَاء، وَإِذَا النِّسَاءُ يُزَغرِدْنَ مِنْ كُلِّ
نَاحِيَة، وَإِذَا الْجَوُّ يَتَأَرَّجُ بِعَرْفِ الْبُخُورِ، وَإِذَا الأصْوَاتُ تَرْتَفعُ
مُتَغَنِّيَةً بِمدْحِ النَّبِيِّ، وَإِذَا هَذَا الْحَفْلُ كُلُّهُ يَتَحَرَّكُ في
بُطْءِ، وَكَأَنَّما تَتَحَرَّكُ مَعَهُ الأرْضُ وَمَا عَلَيْهَا مِنْ دُورٍ. كُلُّ
ذَلِكَ لأنَّ هَذَا الْفَتَى الأزْهَرِيَّ قَدِ اتُّخِذَ في هَذَا الْيَوْمِ خَلِيفَةً،
فَهْوَ يُطَافُ بِهِ في الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى في هَذَا الْمَهْرَجَانِ
الْبَاهِرِ.
د.طه حسين (الأيّام) دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم
المتوسط ص137
الطّبيعة والإنسان... !
كان يومُ الأحد أَوَّلَ يوم من فصلِ الرّبيعِ، وكانت جميعُ
هذه المخلوقاتِ التي تعمر هذه الأرياف من جبال ووديان وأشجار وأزهار وحيوانات من حوش
وطيور، كلّها تنتظر بفارغ صبرها طلوعَ الشّمس من مخبئها، عندما بزغَتِ الشمسُ وظَهَرَ
لأولِ مرَّةٍ منذ أشهر طوال، أَوَّلُ شُعَاعِها يلمع كأنَّه قضيبٌ ذهبيٌّ مرصَّعٌ بلآلِئ
دُرِّيةٍ، فازدهرت الأزهار وأخذتِ العصافير تغني أجمل ألحانها وخرجت الوحوش من أدغالها
لتشاهد هذا المنظر الفَذّ البديعَ، ولم تكن هذه الحيواناتُ وهذه النباتاتُ وحدها محتفِلةً
بهذا اليوم الجميل،
بل كان بينهم من النّوع الإنسانيّ من يشاركُهم في أفراحهِم،
وهو «عليّ » الشابّ الرّيفيّ الّذي كان جالسا على هَضَبَةٍ يشاهد من بعيد غَنَمَهُ
تَرْعى، وهو يعزف بكلّ قواه على مزماره، وفي تلك اللّحظة، ظهرت امرأة تحمل بين يديها
طفلا صغيرا، تمشي بخُطوات سريعةٍ قاصدة البحيرة وهي مُصْفَرَّةُ الوَجْهِ مضطربة الفكر
باكيّةُ العين.
وضع عليّ مزماره، وطَفَقَ يلاحظها من دون أن تراه، وهو يتعجّب
من الباعث الّذي أتى بها في هذا الصَّباحِ الباكرِ، وما هي إلاّ بُرْهةٌ قصيرة حتى
وصلت المرأة إلى ضفاف البحيرة ووضعت حِمْلَها على الرَّمْلَةِ النّاعمةِ، وهو ولدٌ
صغيرٌ ) لا يتجاوز عمْرُهُ بضعةَ أشهر(. وأخذت هذه الأمّ العجيبة تتأمّله آنا، والبحيرة
أخرى، ثم انحنَتْ على الطّفل وطبعت على خدَّيْه قُبلتينِ حارّتينِ وعيناها تَسُحَّان
العَبَراتِ ثم انتصبت قائمة، وبعدما ألقت عليه نظرة أخيرة كلّها عطف وحنان خاطبته قائلة:
- الوداع يا عزيزي ! أنت في كنف الله يا بني ورعايته
! ثم قَفَلَتْ راجِعةً من حيث أتَتْ، وقلبها يَقْطُرُ دما، ولكنّ عليا الّذي كان يشاهد
من أعلى الهضبة هذا الحادث المؤلم، قفز من مكانه منطلقا كالبرقِ يريد إدراك هذه المرأة،
وبمجرّد ما أحسّت به خرجت عن شعورها والتفتت نحوه صارخة في وجهه:
- دعني ! ، اتركني ! ، خذوه إن شئتم، واعطفوا
عليه إنه بَرِيءٌ لا ذنب له.
أحمد رضا حوحو (بتصرف) دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم
المتوسط ص139
الشّمس
كلُّ شَيءٍ في الطّبيعةِ جَميلٌ، وأَجْمَلُ مَا فِيهَا شَمْسُهَا،
وَهيَ في شِتَائِنَا أَجْمَلُ مِنْهَا في صَيْفنا، وَلَهَا في كلٍّ جَماَلٌ.فَلَها
– صَيْفًا – جَماَلُ القُوّة، وجَماَلُ القَهْرِ، وَجَماَلُ السُّفُور الدّائمِ، نُعَظِّمُها
ونجلّها؛ونهرُب مِنها ولكن نحبّها؛ تَقْسُو أَحْيَانًا ولكنّا نَرَى الخَير في قَسْوَتِهَا،
فهي كالمُرَبِّي الحَكِيمِ، تَقْسُو وَتَرْحَمُ، وَتَشْتَدُّ وَتَلِينُ.وَهي – شِتَاءً
– تَطْلَعُ عَلَيْنَا بِوَجْهٍ آخَرَ، تُرِينَا فِيهِ جَمال الحُنوِّ، وَجَمال الدّعَةِ،
وَجَمَالَ الرَّحْمَةِ وَاْلعَطْفِ.فَمَا أَجْمَلَهَا قَاسيّةً وراحمةً ! وما أَجْمَلَهَا
وَاصِلَةً وهاجرةً !
خَلَعْت مِنْ جَمَالِكِ على الزَّهْرِ، فَكَانَ فِتْنَةً
لِلنَّاظِرِينَ؛ فَجَمَالُهُ مِنْ جَمَالِكِ، وَلَوْنُهُ قَبَسٌ مِنْ أَلْوَانِكِ،
وَحَيَاتُهُ مَدَدٌ مِنْ حَيَاتِكِ؛ فَأَبْيَضُهُ وَأَحْمَرُهُ، وَأَصْفَرُهُ وَأَزْرَقُهُ،
لَيْسَ إلا نِعْمَةً مِنْ نِعَمِكِ، وأَثَرًا مِنْ فَيْضِكِ.
فَالوَرْدَةُ الحَمْرَاءُ لَيْسَتْ إل نُقْطَةً مِنْ دَمِكِ،
وَاليَاسَمِين الأَبْيَضُ لَيْسَ إلاَّ لَمْحَةً مِنْ نُورِكِ،والنَّرجِسُ الأَصْفَرُ
لَيْسَ إلاَّ تبراً ذَائِبًا مِنْ شُعَاعِكِ.
لَقْدْ أبَيَتِ على النَّاسِ أَنْ يُدِيمُوا النَّظَرَ إلى
جَمَالِكِ، فَألهيتهم بالنَّظَرِ إلى بَعْضِ آثَاِركِ،وَلَوَّنْتِ الأَزْهَارَ بِأَلْوَانِكِ،
وَأَرِيْتِهِم قُدْرَة على إِبْدَاعِكِ. فما أعظمك ! وأعظمُ مِنْك مَنْ خَلَقَك !
أحمد أمين فيض الخاطر (ج 1 ص 245 - 246) دليل الأستاذ للسنة
الأولى من التعليم المتوسط ص141
الإوز في بحيرة ليمان
..... وَلَيْسَتْ فِتْنَةُ هَذِهِ الْبُحَيرة
بِمقْصَورَةِ على مَا يَحْبُوهَا بِهِ الْجَوُّ وَمَا تنَفْحَهُا بِهِ السَّماَءُ،
وَإِنَّما هِيَ فَاتِنَةٌ بِسُكَّانِهَا السَّادَةِ وَأَهْلِيهَا الْكِرَامِ .... وَمَا
أَعْنِي بِهَؤُلاَءِ السُّكَّانِ إِخْوَانَنَا بَنِي آدَمَ الْمُقِيمِينَ في تِلْكَ
الْمَنْطَقَةِ وَإِنَّما عَنِيتُ جَمَاعَةَ الْإوَزِّ ! إِنَّهَا صَاحِبَةُ السُّلْطَانِ
الْمُطْلَق ِفي تِلْكَ الْبُحَيرْةِ... وَقَدْ عُرِفَتْ الْبُحَيرْةُ بِذَلِكَ الْوَزِ
مُنْذُ الغَابِرِ الْبَعِيد،ِ فَأَصْبَحَ لَهَا طَابَعًا أَصِيلاً لاَ يَتِمُّ رَسْمُهَا
إِلاَّ بِهِ فَهْوَ دَائًما يُوَشِّيهَا وَيُتَوِّجُهَا وَيَجْذِبُ إليْهَا أَنْظَارَ
الْمُعْجَبِنَ.
يَسْبَحُ ذَلِكَ الْوَزُّ زُرَافات وَفُرَادَى على مَنْ
الْاَءِ، أَوْ يَدْرُجُ على الشَّاطِئِ مُتَهَادِيَ الْمَشْيَةِ في رِقَّةٍ وَوَدَاعَةٍ
وَإنَّهُ – إِذْ يَلْمَحُكَ – لَيُسَارِعُ إلى أَنْ يُحَيِّيكَ مِنْ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبٍ
تحَيِّة فُضُولِّ مُتَظَرّفٍ يَتَطَلَّعُ إلى مَا تَجُودُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ لُقَيْاَتٍ،
وَهْوَ يَتَفَطَّنُ إلى مَوَاقِيتِ النُّزْهَةِ وَمَوَاعِيدِ إِقْبَالِ النَّاسِ على
الْبُحَرْةِ، فَيُوَزِّعُ أَسْرابَهُ فِئَاتٍ تَتَقَاسَمُ جَوَانِبَ الشَّاطئِ وَتَسْتَقْبِلُ
الزُّوَّارَ بِأَنَاشِيد الْحَفَاوَة وَالتَّرحَابِ.
وَأَنْتَ تَرَى هَذِهِ إلأسْرابَ تشْئَبِ بُّمنَاقِيرِهَا
وَتَدِفُّ بِأَجْنِحَتهَا، تُحَاوِلُ أَنْ تُثِر بَهْجَتَكَ وإِينَاسَكَ بِما تُبْدِيهِ
مِنْ أَلاَعِيبَ وَمُعَابَثَاتٍ. ثُمَّ إِذَا بِهَا تُقْبِلُ عَلَيْكَ بَعْدَ قَلِيلٍ
تَتَقَاضَاكَ إلأجْرَ وَالْجَزَاءَ – فَتُلْقِي إليْهَا لُقَيْمَتِكَ فلا تَفْتَأُ
تَلْتَقمُهَا في مَهَارَةٍ وَنَشَاطٍ، كَذَلِكَ لاَ يُخطِيءُ الْوَزُّ مَعْرِفَةَ الْمَوَاعِيدِ
إلتِي تَتنَقَّلُ فِيهَا الْبَوَاخِرُ، فَرَاهُ يَتأَهَّبُ لِتَوْدِيعِهَا في مُنْصَفِهَا
– فَإِذَا تَحَرَّكَتْ بَاخِرَةٌ إلفْيَتَ سربًا مِنَ الْوَزِّ قَدْ أَحَاطَ بِهَا
إِحَاطَةَ كَوْكَبَةِ الْفُرْسَانِ بِالْمَوَاكِبِ الْفِخَامِ، وَلاَ يَزَالُ مُتَابِعًا
لِلْبَاخِرَةِ وَقْتًا حَتَّى يَنَإلى مُكَافَأَةَ الْحَفَاوَةِ وَمُقَابَلَةَ الْجَمِيلِ
– فَيَرتَدُّ إلى قَوَاعِدِهِ تَشِيعُ فِيهِ الْغِبْطَةُ وَالمَرَحُ.
محمود تيمور (عن مجلّة الكتاب) – مايو 1947 - دليل الأستاذ
للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص143
مدينة الجسور
هَذَا الجِسرْ أفضلُ جُسُورِ قَسنطينةَ السّبعةِ، عَريضٌ
وقَصيرٌ، سُرعانَ مَا يَنْسىَ الإنسانُ الهُوَّةَ إلتِي بينَهُ وبَنْ اْلوَادِي.كلُّ
شَءٍ مِنْ هَذه النَّاحِيَةِ، يَبْدوُ على عَهْدِهِ، خُضُورَةُ الأشَجَارِ تَميِّزُ
البَنَايَاتِ وَتَباَينُهَا.
هُنَاكَ الثَّانويَّةُ وَهُنَاكَ اْلمُسْتَشْفَى، وَهُنَاكَ
مَخْزَنُ اْلحُبُوبِ الشَّاذُّ الوَضْعِ، وَكَأَنَّمَا لَمْ يُفَكِّرْ وَاضِعُوهُ إلا
في إَقَامَةِ دَلِيلٍ مُتَوَاصِلٍ على أَنَّ المدينَةَ، أَسَاسًا، عَاصِمَةٌ فِلَاحيّةٌ،أَوْ
في إشْعَارِ السُّكَّانِ بِأَنَّ هُنَاكَ مُدَّخرًا مِنْ القَمْحِ والشَّعِيرِ، وأنَّهُم
لِفِرتْةٍ طَوِيلَةٍ في حَإلةِ حِصَارٍ وَهُنَاكَ... آهٍ... تِمثَالُ القِدِّيسَةُ
«جَانْ دَارْك » بِجَنَاحَيْهِ، مُتَأَهِّبٌ لِطَيرَانٍ لَمْ يَتِمْ مُنْدُ عَهْدٍ
بَعِيدٍ، ثُمَّ... رمزُ قَسَنْطِينَةَ، الجسرْ المُعَلَّقُ.
اِهْتَزَّ قَلْبُ الشِّيخِ عَبْدِ المَجيد بوالأَرْوَاح،
عِنْدَمَا لَمَحَ الجِرْ المُعَلَّقُ، أَعَادَ بَرصَهُ إلى المُستَشْفَى؛ وَخَزَّانِ
الحُبُوبِ، والثَّانَويَّةَ وَالفِياَتِ والأشْجَارِ، وَتَسَاءَلَ:
- ألا تَبْدُو أَنْظَفَ مِاَّ كَانَتْ عَلَيْهِ،
أَزْهَى ؟ تَعَدَّدَتِ الأَلْوَانُ، وَقَلَّ اللَّونُ الأُورُوبِّي أَوَلَا تَبْدُو
أَيْضًا مًنْحَنِيَةً، وَكَأَنَّا تَوَدُّ أَنْ تُطِلَّ على أَعْماَقِ هَذَا الأُخْدُودِ
العَظِيمِ ؟ لَسْتُ أَدْرِي لِمَ اِخْتَارَ وَادِي الرِّمَالِ فَتْحَ هَذِهِ الثَّغْرَةِ
فيقَلْبِ مَدِينَةٍ مُنْشَغِلَةٍ بِنَفْسِهَا كَهَذِهِ ؟
ارْتَفَعَ الآذَانُ، وَنَشِطَ قَلْبُ الشِّيخِ عَبْدِ المجِيد
بُو الأَرْوَاح، واسْتَدَارَ مقُراًّ العَزْمَ على الصُّعُودِ مَعَ الشَّارِعِ الّذي
غَمَرَهُ بِخْتَلفِ رَوَائِحِ النَّبَاتَاتَ والطّبخَاتِ، والعُطُورِ، وَسيْلِ مِنَ
الرَّاجِلِينَ والرّاجِاَتِ في جَمِيع الاتّجاهات .»
الطّاهر وطّار(رواية الزلزال) ص 10 دليل الأستاذ للسنة الأولى
من التعليم المتوسط ص145
مَرَضُ زينب
دفعت أمُّ خليلٍ باب الغرفةِ الحقيرة، فقفزتْ إِلى أنفِها
رائحة العُفونَة، وتهَالكَتْ على العَتَبَة مُتعَبَة.ولمَحَتِ قريبا من القنديل الصغير
الجاثمِ فوق كرسيِّ خَشَبِّي، حفيدَتَها زينبَ،مُسْتَغْرقةً في نومٍ عميق، فنهضَتْ
متَثاقِلة الخُطى، وتقدمتْ على رؤوسِ أصابِعها، حتّى دَنَتْ منها، ورأت الغِطَاءَ الرَّقِيقَ
وَقَدْ انْحَصر عَنْ كَتِفِ الطِّفْلَةِ الغافية، فَأسْدَلَتْه، بيَدٍ مُرتَجِفَةٍ،
ومرّتْ أناملُها فَمسَّتْ جَبِنَ الطِّفْلَةِ مَسًّا رَفِيقًا، فَإِذَا هُوَ ينَضْح
بِالعَرَقِ الغَزِيرِ، وَقَرَّبَتْ شَفَتَيْهَا الذّابِلَتَنْ فَقَبَّلَتْ وَجْنَتهَا
فَأَلْفَتْهَا حَارَّةً، لا ريَبَ أنَّ الحُمّى قَدْ عَاوَدَتْهَا.
واخْتَلَجَتِ الطِّفْلَةُ في فِرَاشِهَا، وأَمْسَكَتْ بِيَدِ
جَدَّتِها، وتَشَبّثَتْ بِهَا كَماَ تَتَشَبَّثُ بِلُعْبَةٍ صَغِيرَةٍ عَزِيزَةٍ عَلَيْهَا.
وخَفَقَ قَلْبُ العَجُوزِ وهيَ تْمسَحُ دَمْعَةً تَرَنَّحَتْ ثُمَّ انْحَدَرَتْ إِلى
جَانبِ أَنْفِهَا.
وَظَلَّتْ أمُّ خَلِيلٍ مؤُرَّقَةً، طَوَإلى اللّيلِ، وكَانَتْ
تَقْترَبُ مِنَ الطِّفْلَةِ كُلّما هَاجَمَهَا السُّعَالُ، وتُصْغِي خَائِفَةً إِلى
نَفَسِهَا الضّعِيفِ المُرَدِّدِ. وتِرُّ يَدَهَا المُرْتَجِفَةَ بَينْ الفَيْنَةِ
والفَيْنَةِ، على جَبِنِ الطِّفْلَةِ، وتَجْترَّ شَفَتَاهَا دُعَاءً طَوِياً.
د. بديع حقّي (التّراب الحزين وقصص أخرى) دليل الأستاذ للسنة
الأولى من التعليم المتوسط ص147
السِّبَاحَة
لَعَلَّ السِّبَاحَةَ مِنْ أَقْدَمِ الرِّيَاضَاتِ إلتِي
اهْتَدَى إليْهَا الإِنْسَانُ، عَنْ طَرِيقِ مُلَحَظَاتِهِ في الطَّبِيعَةِ بِما تَزْخَرُ
بِهِ مِنْ مَعَالِمَ مَائِيَّةٍ، هي في بَعْضِ وُجُوهِهَا تَمثِّلُ حَاجِزًا أَمَامَهُ
دُونَ الوُصُولِ إلى مُبْتَغَاه. وَلَعَلَّ مَا يَكُونُ قَدْ عَجَّلَ في اسْتِيعَابِهِ
لِهَذَا النَّشَاطِ. هُو وُقُوفُه على حَيَوانَاتٍ، بَعْضُهَا لَا يَعيشُ إِلاَّ في
المَاِء. وَالبَعْضُ الآخَرُ حَبَتْهُ الطَّبِيعَةُ بُِمؤَهِّلاَتٍ تَكمِّنُهُ مِن
اجْتِيَازِ المَمَرَّاتِ المَائِيَّةِ، وَبِطَرَائِقَ مُعَيَّنةٍ تَحُولُ دُونَ غَرَقِهَا.
وَهَكَذا فَإِنَّ أَوَّلَ مَا عَرَفَ الإنْسَانُ مِنْ طَرَائِقَ
الطَّفْحِ فَوْقَ اْلمَاءِ، هي طَرِيقَةُ السِّبَاحَةِ ( الكَلْبِيّةِ )، نِسْبَةً
إلى الكَلْبِ، ثُمَّ عُدِّلَتْ حَرَكَاتُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِما يَتَلاَءَمُ وَقُدْرَةَ
الإنْسَانِ على التَّكَيُّفِ، وَعلى تَطْوِيعِ الأشَيَاءِ بِما يَخْدُمُ غَرَضَهُ في
ارْتِيَادِ المَجَارِي اْلمَائِيَّةِ وَالبِحَارِ أَيْضًا..
عِنْدَمَا جَاءَ الإِسْلاَمُ، كَانَتْ السِّبَاحَةُ قَدْ
قَطَعَتْ شَوْطًا كَبِيرًا، وَتَبوَّأَتْ مَكَانَةً مَرْمُوقَةً لا يُضَاهِيهَا سِوَى
رُكُوبِ اْلخَيْلِ أَوْ الرِّمَايَةِ بِخْتَلَفِ وَسَائِلِ الرّمْيِ، لِماَ لِلْأمْرَيْنِ
مِنْ علَاقَةٍ وَطِيدَةٍ بِاْلكَرِّ وَاْلِفرَّ وَنَشرْ الدَّعْوةِ الإسْلاَمِيَّةِ،
وَمِاَّ يُؤَكّدُ ذَلِكَ، القَوْلُ المَأْثُورُ لِلْخَلِيفَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ،
وَهُوَ يُحَرِّضُ المُسْلِمِينَ على الاستعْداد الدَّائِمِ لِلاضْطِلاَعِ بِمهَمَّةِ
الحرب، حَيْثُ قَال: «عَلِّمُوا أَوْلاَدَكُم السِّبَاحَة وَالرِّمَايَةَ وَرُكُوبَ
اْلخَيْلِ .»
أَمَّا في الْعَصرِْ الْحَدِيثِ، فَتُعْتَبرَ بْرِيطَانِيَا
مِنْ أَوَائِلِ البُلْدَانِ الّتِي أَعْطَتْ أَهَمِيَّةً خَاصَةً لِرِيَاضَةِ السِّبَاحَةِ.
وقَدْ أَنْشَأَتْ لِهَذَا اْلغَرَضِ أَنْدِيَةً، أَدَّى التَّنَافُسُ بَيْنَهَا إلى
ظُهُورِ سَبَّاحِينَ كِبَارٍ مِنْ أَمْثَالِ
( الكَابْنَ وب )، الّذِي عَبرَ بَحْرَ الْمَانشَ في بِدَايَاتِ هَذَا القَرْنِ،
وقَدْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ في21 سَاعَةً و 45 دَقِيقَة.
إِنَّ مَا تَتَفَرَّدُ بِهِ رِيَاضَةُ السِّبَاحَةِ دُونَ
غَيْرهَا مِنَ الرِّيَاضَاتِ، هُوَ أَنَّهَا رِيَاضَةٌ صَالِحَةٌ لِكُلِّ الأَعْماَرِ،
وَتُفِيدُ المَرْضَى وَالأصِحَّاءِ مَعًا، نَاهِيكَ عَنِ المُتْعَةِ المُتَمَيِّزَةِ
الّتِي تُوَفِّرُهَا لِلْقَائِمِ بِهَا، وَهُوَ مَا يَجْعَلُ مِنْها فَنًا رِيَاضِيًّا
ينَطْوَيِ على فَوَائِدَ جَمَّةٍ لِجِسْمِ الإنْسَانِ وَعَقْلِهِ وَوُجْدَانِهِ أَيْضًا.
أحمد عبد الله سلامة (د/ع الوطن). ع: 240 - سبتمبر 1991
دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص149
السُّلُّ الِّرئَويّ
لَا يُعْرَفُ في تَارِيخِ الطِّبِّ كُلِّهِ مَرَضٌ غَيرْ
وَبَائيّ ، كَلَّفَ الْبَشَريَّةَ بِمثْلِ مَا كَلَّفَهُ مَرَضُ السُّلِّ مِنَ الضَّحَايَا،
وَقَدْ كَانَ وَمَازَإل متُفَشَّياً في مُخْتَلَفِ الطَّبَقَاتِ في شُعُوبِ العَالمِ
كُلِّهِ.
كَيْفَ يَتِمُّ اِنْتِقَالُ العَدْوَى المُبَاشِر مِنَ المُصَابِ
إلى الأَطْفَالِ ؟ لِنَشرْحَ ذَلِكَ بِمثَالٍ عَمَليِّ، فَلْنَفْرِضْ أَنَّ طِفْلاً
في سِنِّ الثَّالِثَةِ مِنَ العُمْرِ - مَثَلاً- جَلَسَ في مَكَانٍ مَحْصُورٍ ( غُرْفَةٌ،
سَيَّارَةٌ عُمُومِيَّةٌ، طَائِرَةٌ، دَارُ سِينِمَ... ) وَكَانَ قُرْبَ الطِّفْلِ
في المَكَانِ نَفْسِهِ مُصَابٌ بِالسُّلِ، يَتَحَدَّثُ بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ، وَحَماَسٍ،
أَوْ يَسْعَلُ أَوْ يَعْطِسُ، فَإِنَّ ذَرَّاتٍ صَغِرَةً مِنْ لُعَابِهِ المَوْبُوءِ
بِالجَرَاثِيمِ، تَتَطَايَرُ مِنْ فَمِهِ أَثْنَاءَ اْلكَلاَمِ أَوِ السُّعَالِ أَوِ
الْعَطْسِ، وَتَنْتَشرِ
فِي اْلهَوَاءِ إلذِي يَتَنَفَّسُهُ الطِّفْلُ، وهَذِهِ
الذَّرَّاتِ المَوْبُوءَةَ بِاْلجَرَاثِيمِ تَصِلُ مَعَ هَوَاءِ التَّنَفُّسِ إلى فُرُوعِ
القَصَبَةِ اْلهَوَائِيَّةِ، وَمِنْهَا إلى الأَسْنَاخِ الرِّئَوِيَّةِ، وَبِذَلِكَ
تَمَّ انْتِقَالُ العَدْوَى -أَيْ الجُرْثُومِ- مِنَ الرَّجُلِ المَرِيضِ بِالسُّلِّ
مُبَاشََرةً إلى رِئَةِ الطَّفْلِ السَّلِيمِ.
وَلِهَذَا المَرَضِ أَعْرَاضٌ فَمِنَ المَعْرُوفِ أَنَّ
الطَّفْلَ السَّلِيمَ دَائِمُ الحَرَكَةِ وَاللَّعِبِ، حَيَوِيُّ المَنْظَرِ حَسَنُ
الشَّهِيَّةِ، وَهُوَ يَنَامُ 12 سَاعَةً في اللَّيْلِ، وَنَحْوَ سَاعَتَيْ في النَّهَارِ
بَعْدَ وَجْبَةِ طَعَامِ الغَذَاءِ ؛ وَعلى الأُمِّ الحَصِيفَةِ أَنْ تُرَاقِبَ طِفْلَهَا
مِنْ خِلَالِ هَذِه الخَصَائِصِ.
وَعِنْدَ وُجُودِ أَيِّ عَدْوَى عِنْدَ الطِّفْلِ وَمِنْهَا
العَدْوَى باِلسُّلِّ أَيْضاً يَضْطَرِبُ نَوْمُ الطِّفْلِ ويَشَحبُ لَوْنُ وَجْهِهِ،
وَتَظْهَرُ تَحْتَ عَيْنَيْهِ حَوَافِ سَمْرَاءَ. وَعند الإِصَابَةِ بِالسُّلِّ يَزْدَادُ
لَوْنَ الوَجْهِ شُحُوبًا، كَاَ أَنَّ الجِسْمَ يُفْرِزُ عَرَقاً غَزِيرًا أَثْنَاءَ
النَّوْمِ في اللَّيْلِ، وَغَزَارَةُ العَرَقِ أَثْنَاءَ اللَّيْلِ يَجِبُ أَنْ تُقَيَّم
مَعَ بَاقِي الأَعْرَاضِ الأُخْرَى وَلَيْسَ بُِفْرَدِهَا، إِذْ قَدْ تَكُونُ لَهَا
بِفْرَدِهَا أَسْبَابٌ لَيْسَ لَهَا عَلاَقَة بِالسُّلِّ، كَالتَّدْثِيرِ في الملَلاَبِسِ
أَوْ الفِرَاشِ أَوْ سُوءِ التَّغْذِيَّةِ. لَكِنَّ الظَّوَاهِرَ العَرَضِيَّةَ اللاَّفِتَةَ
لِلانتِبَاهِ أَكْثرَ عِنْدَ الطِّفْلِ المُصَابِ بِالسُّلِ،ّ هي الانْحِطَاطُ العَامُّ
في جِسْمِهِ، وَفُتُورُ هِمَّتِهِ وَنَشَاطِهِ في التَّحَرُّكِ، وَعُزُوفُهُ عَنِ اللَّعِبِ
وَانْحِطَاطُ شَهِيَّتِهِ لِتَنَاوُلِ الطَّعَامِ، وَيَتَوَقَّفُ وَزْنَهُ عَنِ التَّزَايُدِ
أَوْ يِميلُ إلى الهُبُوطِ.
د.أمين رويحة (أمراض شعبية: ص: 105) دار العلم بيروت – لبنان.
دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط ص151
قصَّةُ الألْعَابِ الِّريَاضِيَّةِ
إِذَا دَرَسْنَا تَارِيخَ الشُّعوبِ الْأولى، تَبَينَّ أَنَّ
نَشَاطَها الْسَاسي كَانَ مُنْصبًّا على الْكِفَاحِ بَحْثًا عَنِ الطَّعَامِ؛ كَماَ
يتَّضِحُ أَنَّ هَذِهِ الشُّعوبَ مَارَسَتْ بَعْضَ الأنْشِطَةِ الْبَدَنِيَّةِ، للتَّعْبيرِ
عَن انْفِعالاتِها وَعَواطِفِها. وَقَد يُعْتَبرَ الرّقْصُ مِنْ أَبْرَزِ هَذِهِ النَّواحِي
التّعْبيريّةِ.
وَكَانَتْ بَعْضُ هذه الرَّقَصَاتِ تُؤَدّى في الْحَفَلاتِ
الدّينِيّةِ وَأُخْرى تُؤَدّى لِلْحَرْبِ وَلِلنّصرْ، وَأُخْرى لاَ غَايَةَ لها سِوى
الْمَرَحِ واللّهْوِ والتّْرويجِ. وَإِضَافةً إِلى الرّقْصِ ظَهَرَت بَعْضُ إلألوَانِ
الْأخْرى مِنَ النَّشَاطِ الْبَدَائيّ عِنْدَ الشّعُوبِ الْولى ، مِثْلَ سِبَاقَاتِ
الْجَري والْمُصَارَعَةِ واسْتِخْدَامِ إلأقْوَاسِ والْحِرَابِ، والْمُلاَكَمَةِ، والتّسَلُّقِ،
والرِّمَايَةِ،والسِّبَاحَةِ، وَبَعْضِ أَلْعَابَ الْكُرَةِ.
وَقَدْ ظَهَرَتْ في نُقوشِ مَقَابِرِ قُدَمَاء الْمِصْرِييّنَ،
صُوَرٌ وَرُسُومٌ مُتَعَدّدةٌ على اهْتِمَامِهم بِالرّياضَةِ، ووَلَعَهِم بِالنَّشَاطِ
الْبَدَنِّي؛ وفي آثارِهِم مِنَ النّقُوشِ مَا يَدُلّ على أَنَّهُمْ بَرَعُوا في الْمُصَارَعَةِ
والْمُبَارَزَةِ بِالْعِصيِّ، وَاسْتَعْمَلُوا القَوْسَ وَالسِّهَامَ والنّبَإل.
وَتَرْجعُ التّْربِيَةُ الرِّياضِيَّةُ الْحَدِيثَةُ في
مَبَادِئها إلى الْيُونَانِ الْقَدِيمَةِ حَيْثُ كَانَتْ جُزْءًا حَيَوِيًّا مِنْ نِظَامٍ
التّْربِيَةِ الإِغْرِيقيَّةِ، الّتِي تَهْدِفُ إلى تَنْمِيَةِ قوى الْفَرْدِ مِنْ
كُلِّ النَّوَاحِي، لِيَْ يُصْبِحَ مُواطِنًا مُسْتَعِدًا لِخِدْمَةِ أُمّتِهِ. واعْتَبرَوا
وِحْدَة الإنْسَانِ أَنْ تكونَ مُثلّثًا مُتَسَاوِي إلأضْاعِ، قاعِدَتُهُ الْجِسْمُ
وَضِلْعَاهُ يَُمثّلانِ الرُّوحَ وَالْعَقْلَ.
مِنْ ذَلِكَ نَرَى أَنَّ التّْربِيَةَ الرِّياضِيَّةَ الإِغْرِيقيَّةَ،
كَانَتْ عَامِلاً هَامًّا في لِيَاقَةِ الشّعْبِ وَحَيَوِيَّتِهِ، اتّخَذَها وَسِيلَةً
لِلْحُصولِ على الصِّحَّةِ والْقُوّةِ الْبَدَنِيَّةِ، وَتَنْمِيَةِ الثّقَةِ بِالنّفْسِ
وَتَرْبِيَةِ الْقِوَامِ الرّشِيقِ، وَتَنْمِيَةِ صِفَاتِ الِجُرْأَةِ وَضَبْطِ النّفْسِ
والْخُلق الْكَرِيم.
أحمد القصاب دليل الأستاذ للسنة الأولى من التعليم المتوسط
ص153
تعليقات
إرسال تعليق