القائمة الرئيسية

الصفحات

الفكر التربوي عند عبد الحميد بن باديس: فلسفة البعث الحضاري والمقاومة الاستراتيجية

المقدمة التحليلية: الفكر التربوي كـ "سلاح استراتيجي" في مواجهة الاستدمار

يُعدّ الفكر التربوي للشيخ عبد الحميد بن باديس (1889-1940) في الجزائر حجر الزاوية في الحركة الإصلاحية والنهضوية الشاملة التي شهدتها البلاد في الفترة الاستعمارية. لم يأتِ هذا الفكر كاستجابة تعليمية تقليدية، بل وُلد في سياق تاريخي بالغ التعقيد حيث كانت الجزائر ترزح تحت وطأة "الاستدمار الصليبي" الذي سعى بشتى الوسائل المادية والبشرية والحضارية إلى محو مقومات الشخصية الجزائرية وطمس معالم حضارتها العربية الإسلامية.1 وقد أدت هذه السياسات العدوانية إلى تفشي التخلف الفكري والجمود العلمي بين الجزائريين.1

لقد أدرك ابن باديس أن المعركة الوجودية مع الاستعمار لم تكن محصورة في الميدان السياسي أو العسكري، بل كانت معركة عقل وهوية بالدرجة الأولى. ومن هذا المنطلق، تحول العمل التربوي والتعليمي في رؤيته إلى "سلاح استراتيجي" مفضّل على غيره من الأسلحة.3 كان الهدف هو خوض معارك المواجهة ضد محاولات الفرنسة والتغريب والتجنيس والتنصير التي استهدفت ابتلاع الجزائر عقيدة وشعباً.3 إن تفضيل ابن باديس لأسلوب التربية والتعليم كطريق للتحرير يشير بوضوح إلى وعيه بأن تحرير الأرض لا يمكن أن يستدام دون تحرير العقول وتثبيت الهوية أولاً.

لقد عانى التعليم العربي والديني تضييقاً كبيراً في زمن ابن باديس، حيث مُنعت الرخص للمكاتب القرآنية والمدارس الدينية أو استُرجعت، ولم يُبقَ منها إلا على القليل النادر.4 هذا التضييق الاستعماري أدى إلى نشأة أجيال لم تتعلم من الإسلام إلا ما ورثته، مع ما شاب ذلك من بدع وإهمال للأخلاق والآداب.4 إزاء هذا الواقع، صمم ابن باديس خطة تعليمية شاملة لمقاومة هذا الانحطاط، معلناً العزم على تعليم الدين واللغة رغم كل التضييق.4 ولبناء هذه الخطة، اعتمدت الدراسات المعمقة لفكر ابن باديس على المنهج الوصفي التحليلي 2، معتمدة على كتاباته ومقالاته المنشورة في الصحافة الإصلاحية 4، لاستخلاص الإطار النظري المتكامل الذي يجمع بين أصالة الأصول الإسلامية ومتطلبات الواقع المعاصر.1


الباب الأول: الأسس الفلسفية والدعائم النظرية للفكر الباديسي

تأسست النظرية التربوية لابن باديس على دعائم فكرية وفلسفية راسخة، مستمدة روحها من الإسلام وأصوله 7، ولكنها في الوقت ذاته كانت فلسفة واقعية وعملية، مرتبطة بوطنها ومستوعبة لتحديات العصر.7

1. المرجعية العقدية والمنهج المقاصدي للإصلاح

كانت العقيدة الإسلامية هي المحور الذي دارت حوله جهود ابن باديس الإصلاحية. فالعقيدة لا تُعتبر مجرد أساس نظري، بل هي الزاد الروحي الضروري للأجيال، والحافظ لكيانهم الاجتماعي المتميز.1 وقد عمل المشروع التربوي على تعليم الأبناء والبنات أصول العقيدة الإسلامية ليتزودوا بها في ميادين الحياة.1

لقد صدرت جهود ابن باديس في إصلاح التعليم الديني تحديداً عن "رؤية مقاصدية".8 أي أنه لم يكن يهدف إلى مجرد نقل النصوص، بل إلى تفعيل غايات وأهداف الشريعة (مقاصدها) في الحياة اليومية. إن هذه الرؤية المقاصدية تفسر سر تركيزه على "الدرس العقدي" كنموذج تطبيقي فريد وكمحور للتعليم الديني.8 لقد استطاع ابن باديس أن يكشف عن الأبعاد التربوية والهدائية والوظيفية للعقيدة، محولاً إياها من علم جامد إلى قوة دافعة للتغيير والعمل.8

إن تطبيق الفكر المقاصدي في التعليم هو ما أتاح له الانفتاح على العلوم العصرية وتبرير إدراجها ضمن المناهج. فإذا كانت مقاصد الشريعة الخمسة تشمل حفظ العقل والمال، فإن التخلف العلمي يؤدي بالضرورة إلى ضياع هذه المقاصد الحيوية.3 وعليه، فإن إدراج علوم مثل الحساب، والهندسة، والفلك، ومبادئ الطبيعة والجغرافيا 2 لم يكن ترفاً أكاديمياً، بل كان تطبيقاً عملياً للمقصد الشرعي الأسمى المتمثل في النهوض الحضاري للأمة وامتلاكها لـ "سلاح الحياة" الذي لا يمكن الاستغناء عنه.9

2. الأركان الشمولية للتربية والمزج بين النظرية والتطبيق

تميز الفكر الباديسي بنظرة شمولية لتكوين شخصية المتعلم. لقد وضع الإمام عبد الحميد بن باديس إطاراً ثلاثياً متكاملاً للإنسان يربط بين القوى الروحية والعقلية والجسدية.10

يُقرر ابن باديس أن حياة الإنسان قائمة على ثلاثة أركان أساسية هي: الإرادة، والفكر، والعمل.10 وتتوقف هذه الأركان بدورها على ثلاثة أخرى:

  • الإرادة متوقفة على الخلق المتين.
  • الفكر متوقف على العقل.
  • العمل متوقف على البدن السليم.10

هذا الربط يوضح أن التربية ليست مجرد عملية تلقينية، بل هي بناء متوازن للشخصية ينتج إرادة قوية (مدعومة بالخلق) وفكراً صحيحاً (مدعوماً بالعقل) وعملاً مفيداً (مدعوماً بالبدن).10

كانت النزعة العقلية سمة بارزة في تفكيره، حيث اعتبر العقل "ميزة الإنسان وأداة عمله".7 وقد وظف هذه العقلانية لمقاومة الجمود والتقليد الأعمى الذي أدى إلى انحطاط الأمة.9 إن فلسفته عُرفت بأنها "عملية أكثر منها نظرية"، فهي تلح على تمتين الصلة بين الفكر والعمل، والمزاوجة بين النظرية والتطبيق.7 وهذا ما منح دعوته قبولاً ومصداقية بين الناس.5

إن الفكر التربوي الباديسي يربط التغيير الفردي (إصلاح النفس) بالبعث الحضاري الجماعي.1 وقد أكد هذا الارتباط باقتباسه: "(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)".11 بناءً على ذلك، فإن التربية هي المحرك الأساسي لأي نهضة، فهي تعمل أولاً على تزويد الأفراد بالإرادة القوية والخلق المتين 10، وحينما يتكون هذا الوعي والإخلاص لدى عدد كافٍ من الأفراد، ينتقل التغيير إلى المستوى الجماعي، وهذا يفسر تركيزه الكبير على "تأليف الرجال" وإعدادهم.12

للتوضيح، يمثل الجدول التالي ركائز البناء الشمولي للشخصية عند ابن باديس:

ركائز البناء الشمولي للإنسان الباديسي

الركن الأساسي للحياة

ما يتوقف عليه الركن (حسب ابن باديس)

الهدف التربوي

المصدر الداعم

الإرادة

الخلق المتين (القوة الروحية والأخلاق)

بناء العزيمة وتحقيق الاستقامة

10

الفكر

العقل (القوة المعرفية)

تحرير العقل من الجمود والتقليد

7

العمل

البدن السليم (القوة الجسدية والإنتاجية)

تحقيق المنفعة والتطبيق الواقعي

5


الباب الثاني: الأهداف الإستراتيجية وبعث الهوية

كانت الأهداف التربوية لابن باديس تتجاوز مجرد التعليم الديني، لتشكل رؤية متكاملة لإنقاذ الأمة، حيث وضعت الهوية الوطنية ومقاومة الاستعمار في صميم العملية التربوية.

1. الهدف الوطني: الحفاظ على مقومات الشخصية الجزائرية

في ظل سياسات الاستعمار التي استهدفت محو مقومات الشخصية الجزائرية المتميزة 1، ركز ابن باديس على الهوية الجامعة المتمثلة في الدين واللغة. رأى أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي "لغة الدين الذي هو أساس حياتنا ومنبع سعادتنا".13 لقد حوّل الدفاع عن العربية من مجرد قضية ثقافية إلى قضية حقوقية وسياسية؛ حيث وصفها بأنها "اللغة المهملة بين أبنائها، المحرومة من ميزانية بلدها، المطاردة في عقر دارها".13 وكان موقفه المعلن هو المقاومة المشروعة من أجل حرية الدين ولغة الدين.4

كما شملت هذه الرؤية التعليمية إعداد النشء على أسس الاتحاد والتعاون والاستفادة من الوقت 1، وتكوين جيل يأخذ "سلاح الحياة ويخوض الخطوب ولا يهاب".9 هذا التركيز على بناء شخصية مقاومة وشجاعة هو ما أثمر لاحقاً، حيث خلف ابن باديس تلامذة شباناً صاروا قادة للثورة الجزائرية التي حققت الاستقلال.12

كما كان لابن باديس رؤية متقدمة لتعليم المرأة، مؤكداً أنها تشارك في الفكر والمنهجية.5 ودعا إلى تعليم البنات وتزويدهن بالحقائق الشرعية والتربية الإسلامية العالية، حفاظاً على كيان الأمة الاجتماعي.1

2. الموازنة بين الخصوصية والعالمية

تميز الفكر الباديسي برفضه للانغلاق التام على الذات، مع إعطاء الأولوية للخصوصية الوطنية في سياق عالمي. لقد كان الهدف هو النهوض بالوطن إلى مستوى التجمعات البشرية الراقية، دون إنكار الهدف الإنساني العام.9

وقد برر ابن باديس استراتيجية تقديم "الخصوصي المحدود" (خدمة الوطن والإسلام الذاتي) على "العالمي اللامحدود" 9؛ موضحاً أن خدمة الإنسانية الواسعة لا يمكن أن تتحقق مباشرة دون واسطة، بل يجب التفكير في الوسائل الموصلة لذلك، والبدء يكون بـ "خدمة مجتمع الوطن".9 فخدمة الإسلام الذي يدعو إلى الأخوة الإنسانية لا يمثل انغلاقاً، بل هو في حد ذاته خدمة غير مباشرة للإنسانية. وهذه المقاربة الفلسفية تتسق مع رؤى حكماء وفلاسفة آخرين 9، مما يؤكد أن الفكر الباديسي كان واعياً بمتطلبات التقدم والتكيف مع الحياة الراهنة.9

كما أن المطلب الباديسي بحرية تعلم اللغة الفرنسية جنباً إلى جنب مع اللغة العربية 13، يعكس هذه المقاربة المتوازنة. فلم يكن يسعى لرفض ثقافة الآخر رفضاً مطلقاً، بل لامتلاك مفاتيح التفاهم والتقدم العلمي الغربي، شرط ألا يكون ذلك على حساب اللغة الأم والدين، وهذا المطلب المزدوج كان نضالاً مدنياً يهدف إلى الاعتراف الرسمي بالهوية الوطنية في مواجهة التفوق الثقافي الاستعماري.


الباب الثالث: إصلاح المناهج والأساليب البيداغوجية

لم يقتصر المشروع التربوي لابن باديس على الأهداف الاستراتيجية، بل شمل تحديثاً جذرياً للمناهج وطرق التدريس، رفضاً للأساليب الكلاسيكية الجامدة.14

1. إصلاح المحتوى التعليمي وشمولية المعرفة

شدد ابن باديس على ضرورة إصلاح المناهج 15 لتكون شاملة، تجمع بين علوم الدين والدنيا. فبالإضافة إلى التركيز على التعليم العربي الإسلامي 2، أكد على أهمية تدريس العلوم الحديثة مثل الحساب، الهندسة، الفلك، مبادئ الطبيعة، والجغرافيا بجميع أقسامها.2

إن إدراج هذه العلوم العصرية لم يكن مجرد إضافة شكلية، بل كان ضرورة ملحة. فقد أدرك أن تخلف العالم الإسلامي سببه الابتعاد عن الأخذ بالعلم في شتى الميادين.3 ولن يكون هناك بعث حضاري إلا بمواكبة المدنية الحديثة والتقنية المتطورة التي تسهل سبل العيش وتذللها.10 ولهذا، كان تدريس هذه العلوم شرطاً لتحقيق القدرة على المنافسة الحضارية والتحرر الاقتصادي والتقني، ومحواً لصورة "الرجعية والظلامية" التي حاول الاستعمار إلصاقها بالحركة الإصلاحية.10

بالإضافة إلى ذلك، قدم ابن باديس رؤية متكاملة لإصلاح تعليم الكوادر الدينية في المؤسسات الكبرى مثل جامع الزيتونة، مقترحاً تقسيم التعليم إلى "قسم المشاركة" و "قسم التخصص".16 ويفرع قسم التخصص إلى ثلاثة فروع: القضاء والإفتاء، والخطابة، والتعليم.16 وهذا التقسيم يضمن تخرج رجال يتمتعون بمهارات متخصصة، حيث أكد على أن معلم التخصص يجب أن يعرف "أساليب التفهيم وفهم نفسية المتعلمين" 16، مما يدل على وعي عميق بأهمية الجانب البيداغوجي.

2. الأساليب البيداغوجية المبتكرة

سعى ابن باديس إلى بعث روح جديدة في نفوس الطلاب والتلاميذ من خلال تحديث أساليب التدريس 14، معتمداً على طرق متعددة حديثة 17:

  1. المناظرة والحوار بالحجة العقلية: لتعزيز التفكير النقدي وتحرير العقل من الجمود.17
  2. التعلم الذاتي: لتشجيع المتعلم على الاعتماد على النفس والبحث المستمر عن الحقائق العلمية الموضوعية.1
  3. التلقين والتعزيز: استخدام التلقين المقرون بالتعزيز لضمان تثبيت المعلومات والمهارات.17
  4. التعلم بالقدوة: كان هذا الأسلوب جوهرياً. فقد شدد ابن باديس على أن المعلم يجب أن يكون عاملاً بكتاب الله وقاصداً بـ"تعليمه الدعوة إلى العمل به".19

كانت مسألة القدوة تمثل فعلاً إصلاحياً جذرياً. فقد كان ابن باديس نفسه قدوة، إذ لم يكن يأخذ أجراً مقابل دروسه، محتسباً ذلك عند الله.19 هذا السلوك العملي لم يكن مجرد ورع، بل كان نقداً صامتاً لآفة استغلال التعليم لأغراض دنيوية.19 وقد عزز هذا الإخلاص من "مصداقية" دعوته وقبولها لدى الناس 5، وضمن أن الجيل الذي يخرجه سيكون نقياً ومخلصاً لقضية الأمة، ما مهد لقيادة الثورة لاحقاً.12

يتضح من الأساليب المذكورة أن الفكر التربوي الباديسي كان يسعى لخلق المتعلم الفاعل الذي يشارك في عملية التعلم، وهو ما يتوافق إلى حد كبير مع أبجديات المنظومة التربوية الحديثة.20

المنهج التربوي الباديسي: تجديد المحتوى والأساليب

مكون الإصلاح

الهدف من التجديد

مثال تطبيقي (المحتوى أو الأسلوب)

المصدر الداعم

تطوير المحتوى

مواكبة العصر والنهوض الحضاري

إدراج الحساب، الهندسة، الفلك، الجغرافيا

2

تحرير العقل

رفض الجمود والتقليد وتحصيل الملكة

استخدام المناظرة والحوار بالحجة العقلية

17

جودة المخرج

ضمان كفاءة الكوادر التعليمية/القضائية

تقسيم التعليم إلى "مشاركة" و "تخصص" (الزيتونة)

16

التربية العملية

ربط العلم بالسلوك وإعطاء مصداقية للدعوة

التركيز على القدوة والتعزيز العملي

5


الباب الرابع: التجسيد المؤسسي والأثر التاريخي

إن نجاح الفكر التربوي لابن باديس كان متوقفاً على تحويل النظرية إلى برنامج عملي ومؤسسي، وهو الدور الذي قامت به جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

1. جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كمنصة تنفيذية

كان العمل التربوي في نظر ابن باديس يتطلب جهداً جماعياً منظماً.11 لذا، كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (AAMS) هي الإطار التنظيمي الذي ضمن تنفيذ مشروعه التربوي.2 هذه الجمعية، التي انبثقت نواتها الأولى من جمعية التربية والتعليم الإسلامية في قسنطينة 2، تولت مهمة تشييد المدارس الحرة لتعليم وتربية النشء على أسس الدين الإسلامي واللغة العربية.21 كان الهدف الأساسي للجمعية هو تحرير العقول من ربقة الجهل والأمية والتخلف الفكري التي غرسها الاستعمار الفرنسي.2

وقد اعتمدت الجمعية في تمويل مدارسها على آليات شعبية لضمان الاستقلالية، من خلال اشتراكات الأعضاء، وتبرعات المحسنين النقدية والعينية (مثل كفالة الطلبة أو التبرع بالخبز والتمر).22 هذا الاعتماد على التمويل الشعبي سمح للجمعية بالعمل بحرية بعيداً عن قيود السلطة الاستعمارية.

2. استراتيجية إعداد المربي و"تأليف الرجال"

أدرك ابن باديس أن المربي هو العنصر الأكثر أهمية في العملية التربوية؛ إذ "يُستغنى عن الكتاب وعن أبنية المدرسة، ولكن لا يمكن الاستغناء عن المعلم".19 لذلك، كان إصلاح المعلم وإعداده يمثل إصلاحاً للعملية التربوية برمتها.19

في البداية، اعتمد ابن باديس على الطلبة المتفوقين وخريجي الزوايا المشهورة لسد النقص في الكوادر التعليمية. ومع اشتداد عود الحركة الإصلاحية، بدأ في إرسال البعثات العلمية إلى الجامعات والمعاهد العليا في البلاد الإسلامية، كجامع الزيتونة والجامع الأزهر 19، استعداداً لمستقبل الأمة.

إن الفترة الطويلة التي قضاها ابن باديس، من سنة 1913 حتى تأسيس الجمعية في 1931 12، في عمل دؤوب ومتواصل، تؤكد أن المشروع التربوي كان بحاجة إلى بناء مرجعية متكاملة (سياسية، شرعية، وطنية).12 وقد لخص الإمام هذا الجهد الكبير بقوله: "شُغِلنا بتأليف الرجال عن تأليف الكتب".12 هذا التركيز على "تأليف الرجال" يمثل جوهر استراتيجيته، حيث إن البناء المؤسسي المتمثل في الجمعية ضمن استمرارية العمل المقاوم فكرياً وتربوياً حتى بعد وفاته في 1940.12 وقد أثمر هذا البناء المؤسسي تخريج جيل كامل متشبع بقيم الإسلام واللغة العربية، شكل معادلة قوية للجيل الفرنسي المتغرب، وترك من تلاميذه الشبان من صاروا قادة للثورة الجزائرية التي حققت الاستقلال الحاسم.12


الخاتمة والتوصيات: الإرث المستدام والتقييم النقدي

يمثل الفكر التربوي عند عبد الحميد بن باديس نظرية تربوية متكاملة الأركان، جمعت بين الأصالة الإسلامية والتجديد العلمي، وكانت في جوهرها مشروعاً للبعث الحضاري ومقاومة الاستعمار. لقد نجح هذا الفكر في تغيير المجتمع والفرد وتجديد رؤيته الاجتماعية انطلاقاً من فهم عميق للأصول التربوية الإسلامية والبحث المستمر عن الحقائق العلمية الموضوعية.1

لقد أثبتت الدراسات أن الفكر التربوي الباديسي هو فكر أصيل صادر عن مفكر واعٍ بمتطلبات التغيير ويدرك سرعة التقدم المعاصر.9 كانت فلسفته تهدف إلى إعادة تشكيل الشخصية الجزائرية 7، من خلال تمتين الصلة بين الفكر والعمل، وغرس النزعة العقلية لمواجهة الجمود.7 وقد تجسد هذا النجاح في إحداث ثورة تعليمية غيّرت المشهد الثقافي في الجزائر 14 وأسست لجيل الثورة.

التقييم والتوصيات

إن القراءة المتعمقة لهذا الإرث تؤكد أن فكر ابن باديس ليس مجرد تاريخ، بل هو إطار مرجعي صالح للتطبيق في مواجهة تحديات العصر الحالية.

  1. توافق مع النظم الحديثة: يبرز التوافق الكبير بين فكره وأبجديات المنظومة التربوية الحديثة، خصوصاً في تركيزه على البعد الوطني، والمقاربة الاجتماعية المتكاملة، وتنمية مهارات التفكير النقدي (الحوار والمناظرة).20
  2. أهمية الاستقراء الفلسفي: يُعدّ الفكر الباديسي نموذجاً لمقاربة مشكلة التوازن بين الخصوصية الثقافية ومتطلبات العولمة.9 فمن الضروري للأمم التي تسعى لمواكبة التطورات الراهنة أن تصيغ مشاريعها التربوية بما لا يتعارض ومقوماتها الوطنية.9
  3. التوصية المؤسسية: يُنصح دعوة المشرفين على البرامج التعليمية والمناهج التربوية في الجزائر وفي الدول العربية إلى استقراء فلسفة ابن باديس التربوية والاستفادة من تجارب مدارس جمعية العلماء وإنجازاتها في بناء الهوية ومواجهة تحديات العصر.23


asjp.cerist.dz

الفكر التربوي عند ابن باديس - ASJP

search.shamaa.org

الجهود التربوية لعبد الحميد بن باديس : المنهج والخصائص

mugtama.com

جوانب من رؤية عبد الحميد بن باديس في إصلاح التعليم - مجلة المجتمع

islamweb.net

عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية - الباب الثاني الفكر التربوي عند ابن باديس - إسلام ويب

dblife.eu

تطبيقات التربية االصالحية في فكر الشيخ عبدالحميد بن بادي س

asjp.cerist.dz

الفكر التربوي عند ابن باديس - ASJP - CERIST

ketabonline.com

عبد الحميد بن باديس رائد النهضة العلمية والإصلاحية في الجزائر | مجلد 1 | صفحة 27 | السمات المميزة لت

asjp.cerist.dz

الرؤية المقاصدية في إصلاح التعليم الديني عند ابن باديس -الدرس العقدي أنموذجا- The objective vision in the reform of religious education according to Ibn Badis -The doctrinal lesson as a model- | ASJP

academia-arabia.com

ﻓﻠﺴﻔﺔ اﺑﻦ ﺑﺎدﻳﺲ اﻟﱰﺑﻮﻳﺔ ﺑني اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﻋﺎﳌ - Academia Arabia

binbadis.net

رؤية ابن باديس للمنهج التربوي

islamweb.net

عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية - الباب الأول العوامل والقوى المؤثرة في فكر ابن باديس - الفصل الثالث ابن باديس والعمل الجماعي - المبحث الثالث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين- الجزء رقم1 - إسلام ويب

rawahel.org

رحلة الإمام "عبد الحميد بن باديس" في مقاومة الاحتلال الفرنسي (2-2) - رواحل

shamela.ws

كتاب آثار ابن باديس - في سبيل التعلم والتقدم - المكتبة الشاملة

asjp.cerist.dz

فلسفة التعليم عند الإمام المجدد عبد الحميد ابن باديس - ASJP - CERIST

islamweb.net

عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية - الباب الثاني الفكر التربوي عند ابن باديس - الفصل الثاني إصلاح التعليم عند ابن باديس - المبحث الأول إصلاح المناهج - إسلام ويب

echoroukonline.com

رؤية الإمام ابن باديس لإصلاح التعليم - الشروق أونلاين

theses-algerie.com

دراسة تحليلية لأساليب التعليم عند عبد الحميد بن باديس في كتابه مجالس التذكير

asjp.cerist.dz

دراسة تحليلية لأساليب التعليم عند عبد الحميد بن باديس في كتابه ...

binbadis.net

المعلم في نظر ابن باديس

asjp.cerist.dz

فكر العلامة ابن باديس والمنظومة التربوية الحديثة -مقاربة تربوية فكرية من خلال نماذج مختارة

theses-algerie.com

دور رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مجال التعليم والصحافة -الشيخ محمد خير الدين نموذجا- - Thèses-Algérie

tourath.org

جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وتمويل التعليم

citj.org

ﺗﻘﺎرﻳﺮ ﻣﺆﲤﺮات " ﻣﺪارس وﻣﻌﺎﻫﺪ ﲨﻌﻴﺔ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﳌﺴﻠﻤﲔ ا  

أنت الان في اول موضوع
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع