القائمة الرئيسية

الصفحات

جذور بيداغوجيا بالكفايات الجزء الرابع

 النظرية البنائية الاجتماعية

حمودي نورالدين

من هو ليف فيجوتسكي؟

ولد ليف فيجوتسكي في أورشا لعائلة يهودية. هو الثاني من عائلة مكونة من ثمانية أطفال، درس الفلسفة والتاريخ ثم القانون في جامعة موسكو (1913-1917). في عام 1915 كتب عملا ضخما عن هاملت. بعد أن أكمل دراسته في عام 1917، عاد إلى Homiel، على أمل تدريس علم النفس , مع العلم انه لم يدرس الطب النفسي . في ذلك الوقت، قامت ثورة أكتوبر بإلغاء كل أشكال التمييز المعاد للسامية. انخرط في النشاط السياسي وأصبح عضوًا في الجيش الأحمر بينما كان يواصل عمله في التعليم. كان نشاطه ملفت للانتباه حيث كان يدرس اللغة الروسية والأدب في مدرسة العمل للعمال، ويقوم بتدريس علم النفس والمنطق في معهد علم التربية، وعلم الجمال وتاريخ الفن في المعهد الموسيقي، ويدير قسم في المجلة، وخلال هذه الفترة قرأ لـ: سبينوزا وهيجل وماركس وإنجلز وفرويد وإيفان بافلوف وألكسندر بوتيبنيا (عالم لغوي في خاركوف). في عام 1919، أصيب بمرض السل الذي سيكون سبب وفاته المباشر ليلة 10 إلى 11 يونيو 1934. يعتبر فيجوتسكي، إلى جان بياجيه (Jean Piaget) وهنري فالون (Henri Wallon) وجيروم برونر (Jérôme Bruner)، واحدا من كبار علماء النفس النمو حيث أصبح علم النفس النمو معه يسعى إلى فهم كيفية بناء القدرات العقلية لدى الإنسان. وقد كان مفهوم البناء “أساسيا عنده كما بالنسبة لبياجيه، حيث اعتقد فيجوتسكي بأنّ الطفل إنما ينمو من خلال التفاعل مع بيئته. غير أنّه، لفهم أصالة نهجه كاملا، سيكون من الضروري إدخال مفهوم” الثقافة ” مثلما هو متعارف عليه في النظرية التاريخية الثقافية لهذا الأخير.

في المعهد التربوي، أنشأ مختبرًا لعلم النفس لدراسة الأطفال الصغار. استمد منه مادة لكتابه علم النفس التربوي الذي ظهر عام 1926.عمل فيجوتسكي في معهد موسكو لعلم النفس مع ألكسندر لوريا وليونتييف. اين سعى إلى إعادة صياغة النظرية النفسية على أساس ماركسي وابتكار مناهج تربوية لمحاربة الأمية وحل مشاكل الخلل العقلي والنفسي.

أكمل أطروحته في علم نفس الفن داخل المستشفى بسبب مرض السل الذي كان يعاني منه، وبعد تحسن صحته واصل نشاطًه وابحاثه وعمل مقدمات لمؤلفات فرويد وبياجيه وكولر وستيرن وجيزيل وآخرين، في بداية عام 1929، مع انتشار سمعته في الاتحاد السوفيتي، تمت دعوته للبقاء لعدة أشهر في طشقند لتدريب المعلمين وعلماء النفس في جامعة آسيا الوسطى. في عام 1930، قاد ندوة مع لوريا وآيزنشتاين واللغوي نيكولاس مار في موسكو. منذ عام 1931، ظهر النقد ضد نظريته التاريخية الثقافية وانقسمت مجموعة العشرينات، وذهبت لوريا وجالبرين وزابوروجيتس إلى كاركوف وذهب فيجوتسكي بانتظام إلى لينينغراد مع إلكونين وجوزيفينا شيف. في عام 1933، أجرى توليفة واسعة من الفكر واللغة للرد على الانتقادات المختلفة الموجهة إليه. في ربيع عام 1934، تم نقله إلى المستشفى وهناك أملى الفصل الأخير من كتاب "الفكر واللغة"، الذي نُشر بعد وقت قصير من وفاته. خلف فيجوتسكي ورائه 180 عنونا منها 80 لم ينشر. ويجدر التنويه ان البيئة الستالينية لم تكن لتساعد على نشر عناوين مخالفة لتوجه الماركسي لذا خضعت كتبه لتمحيص ونقد وتحفظ عليها. لأن نصوصه كانت موضع نظر السلطات الستالينية. ففي عام 1962 نشر كتابه الفكر واللغة بعد 28 سنة من وفاته ثم تلت منشورات أخرى بين سنة 1982 و1984 حيث نشرت غالبية اعماله وترجمت الى لغات أخرى منها الإنجليزية.

افكاره في علم النفس والتربية:

يقول فيجوتسكي إن الذكاء سيتطور بفضل بعض الأدوات النفسية التي سيجدها الطفل في بيئته، ومن بينها اللغة (الأداة الأساسية). وبالتالي، سيتم استيعاب النشاط العملي في أنشطة عقلية متزايدة التعقيد بفضل الكلمات، مصدر تكوين المفاهيم.

بالنسبة لفيجوتسكي، فإن ما يسمى بلغة الطفل "المتمركزة حول الذات" لها طابع اجتماعي وسيتم تحويلها بعد ذلك إلى ما يسمى باللغة "الداخلية" عند البالغين وستكون وسيطًا ضروريًا في تطوير الفكر وعمله.

منطقة النمو القريبة The zone of proximal development ZPD

يوضح فيجوتسكي عدة مفاهيم أساسية ضرورية لفهم نمو الطفولة المبكرة. من أهمها تلك المتعلقة بمناطق النمو، بما في ذلك منطقة النمو القريبة ZPD التي تصف المسافة بين المهام التي يمكن للطفل القيام بها بنفسه وتلك التي ينجح في تحقيقها بمساعدة شخص أكثر تقدمًا في هذا المجال. لذلك فإن ZPD هو كل ما يمكن للطفل إتقانه عند تقديم المساعدة المناسبة.

يعتقد فيجوتسكي أن الأطفال يمكنهم تحقيق المشاكل الصعبة وإتقانها عندما يتم توجيههم ومساعدتهم من قبل شخص كفء، عادة ما يكون بالغًا، وبالتالي، فإن المربي لديه وظيفة، فلا يتعين عليه انتظار الطفل لبناء معرفته الخاصة، في استقلالية كاملة، من خلال نضج نفسي طبيعي إلى حد ما هذا نقد لمفهوم التعليم السلبي الذي طوره جان جاك روسو. لدى جان بياجيه وفيجوتسكي تفسيران مختلفان جذريًا لهذا النمو. بالنسبة لبياجيه، فإن نمو الطفل يحدث من الفرد إلى الاجتماعي، بينما يعتقد فيجوتسكي على العكس من ذلك أنه ينطلق من الاجتماعي إلى الفرد، ولإثبات وجهة نظره، خصص صفحات طويلة لتحليل اللغة "المتمركزة حول الذات". يشير هذا المصطلح، المأخوذ من بياجيه، إلى سلوك الطفل الصغير الذي يتحدث دون القلق بشأن ما إذا كان يتم الاستماع إليه أو انتظار الرد. قبل سن 6 أو 7 سنوات، تكون أكثر من نصف كلمات الطفل متمركزة حول الذات، ولكن على مر السنين يتناقص هذا النوع من اللغة تدريجيًا حتى يختفي تمامًا. ومع ذلك، كما يقول فيجوتسكي، فإن اللغة المتمركزة حول الذات لا تتراجع على مر السنين، ولكنها تتقدم. بالطبع، تتناقص كمية اللغة المتمركزة حول الذات، لكن جودتها وثراء بنيتها تزداد بمرور السنين. للتفسير، كما يفعل بياجيه، فإن التدهور الكمي لهذه اللغة كأحد أعراض الانحدار يعادل اعتبار الطفل يتراجع في الحساب عندما يتوقف عن العد بصوت عالٍ على أصابعه للانتقال إلى الحساب الذهني.

ينسب فيجوتسكي إلى اللغة المتمركزة حول الذات وظيفة رئيسية. عندما يرى بياجيه انها خيالية فقط، يرى هوانها طريقة الواقعية لتفكير الطفل. ويخلص من بحثه إلى أن هذه اللغة لها قرابة كبيرة مع اللغة الداخلية، والتي تشكل الخطوط العريضة لها. ويقول فيجوتسكي ان : "اللغة المتمركزة حول الذات هي لغة داخلية بوظيفتها النفسية ولغة تتجلى في الخارج بطبيعتها الفسيولوجية". لذلك فهو شكل انتقالي بين اللغة الاجتماعية المخصصة للآخرين واللغة الداخلية المخصصة للذات. دورها هو مساعدة الطفل على التفكير والتغلب على الصعوبات. أما بالنسبة للغة الداخلية، فهي ليست لغة ناقص الصوت، ولكنها وظيفة متميزة تمامًا عن اللغة الخارجية. "إذا كان الفكر في اللغة الخارجية متجسدًا في الكلمة، تختفي الكلمة في اللغة الداخلية، ويولد الفكر."

لكن كيف يتعلم الطفل؟

 

 يعارض فيجوتسكي تيارين معاصرين له (ثلاثينيات القرن الماضي)، السلوكية التي تعتبر أن النمو العقلي والتعلم ليسا أكثر من تراكم ردود المنعكسات الشرطية. على خلاف بالنسبة لفيجوتسكي، الذي يرى ان التعلم يعني "فعل فكري حقيقي ومعقد".

من ناحية أخرى، ينتقد مفهوم بياجيه الذي يعتبر أنه لا يمكن تعليم الطفل شيئًا ما إلا إذا وصل إلى المرحلة المطلوبة لهذا التعلم. ومع ذلك، وجد فيجوتسكي أن الأطفال الذين ينجحون جيدًا في المواد الدراسية ليس لديهم النضج المعرفي الذي يعتقد بياجيه أنه يجب أن يكون حاضرًا. هذا هو الحال، كما يقول، لتعلم القراءة والكتابة والقواعد والحساب والعلوم الطبيعية وما إلى ذلك.

بينما يرى بياجيه أن النمو يجب أن يسبق التعلم، يؤكد فيجوتسكي أن "التعلم يسبق النمو دائمًا".

هنا يأتي دور فكرة "منطقة النمو القريبة "، وهو مفهوم رئيسي في البناء النظري لفيجوتسكي.

يشرح فيجوتسكي مفهومه بهذا المثال حيث يقول: بأننا حددنا لطفلين عمرًا عقليًا يعادل ثماني سنوات. بمساعدة شخص بالغ، يقوم أحدهما بحل المشكلات المتعلقة بعمر 12 عامًا، بينما يمكن للآخر حل المشكلات المتعلقة بعمر 9 سنوات فقط. هذا الاختلاف هو بالضبط الذي يحدد مجال النمو التالي. إنها 4 للطفل الأول و1 للطفل الثاني. وبالتالي، فإن مجال النمو التالي للتلميذ هو بالنسبة لـ Vygotsky "العنصر الأكثر تحديدًا للتعلم والنمو". لأن "ما يعرف الطفل كيف يفعله اليوم بالتعاون، سيعرف كيف يفعل ذلك بمفرده غدًا".

من أوائل المؤلفين الذين تفاعلوا مع كتاب الفكر واللغة هو بياجيه. لسوء الحظ، اكتشف هذا الكتاب بعد 25 عامًا فقط من نشره الأولي باللغة الروسية، وعندما مات فيجوتسكي لفترة طويلة. يؤكد بياجيه أن فيجوتسكي "مؤلف عظيم" ويقول إنه "يتفق تمامًا" معه على فكرة أن اللغة المتمركزة حول الذات تشكل نقطة البداية للغة الداخلية، دون تحديد كيف أن هذا المظهر الجديد يعدل نظريته.

شهدت الثمانينيات انفجارًا في الدراسات حول هذا النوع من اللغة، والتي يؤكد معظمها نظريات فيجوتسكي. وهكذا تؤكد لورا بيرك، أستاذة علم النفس في جامعة إلينوي، أن "مناجاة (الكلام الخاص) أمر ضروري للنمو المعرفي للطفل" وأظهرت الدراسات التجريبية لها أن الأطفال يستخدمون هذه اللغة في كثير من الأحيان عند العمل بمفردهم في مهمة تتطلب منهم تجاوز أنفسهم أو عندما يغيب معلمهم.

كذلك درس العديد من المؤلفين الروس أيضًا تأثير النشاط الجماعي للتلاميذ على نموهم المعرفي على سبيل المثال، يقارن فيتالي روبتسوف، من معهد علم النفس والتربية العامة، النتائج التي حصل عليها الطلاب الذين تابعوا مقررًا تقليديًا في الفيزياء وغيرهم ممن عملوا في مجموعات. وجد أن 75٪ من الطلاب في المجموعة التجريبية وجدوا الإجابة الصحيحة، مقابل 20٪ في المجموعة الضابطة ويؤكد أطروحة فيجوتسكي حول أهمية العلاقات بين الأشخاص في نمو الفكر، الأعمال المذكورة ليست سوى عينة من العديد من الدراسات القائمة على نظريات فيجوتسكي.

فقد غلب على النظريات ما قبل البنائية الاجتماعية نظرتها لتعلم على انه سياق فردي وان المتعلم يتعامل مع المعرفة بشكل فردي ومنعزل عمن حوله فلا يوجد أثر للمجتمع وفق النظرية السلوكية والمعرفية فبياجيه يغفل الطبيعة الاجتماعية للتعلم , فالواقع ان المتعلم يعيش داخل مجموعة من البشر يتفاعل ويتواصل معهم وكل ما يتعلمه يتأثر بشكل او باخر بهم فالتعلم هو عملية اجتماعية لان اللغة وسيلة اجتماعية ولا يتم التعلم الا بواسطة لغة تواصل , والنمو الذهني يعتمد بشكل كبير على المحيط الذي يزوده بالمعارف والاتجاهات والقيم  من خلال التفاعل بمعنى اخر ان الثقافة التي يعيش فيها الطفل هل التي تشكل نموه الذهني فهي التي تقرر ماذا يتعلم والطريقة التي يتعلم بها  (woolfolk)

ويعارض أيضا بياجيه فيما يتعلق بالمراحل النمائية حيث يرى ان النمو يتأثر بتفاعل الطالب مع من حوله أكثر من تاثره بالمرحلة التي هو فيها بل ان بيئة المحيطة بالطالب تؤثر كثيرا في تحديد هذه المراحل ويرى انه يمكن ان يوجد طفلان في نفس المرحلة لكن أحدهما يتفاعل مع زملائه او مع من هو أكبر منه فيؤدي أشياء لا يمكن ان يؤديها الطفل الاخر الذي لم يتعرض لتفاعل اجتماعي مماثل (د راشد بن حسين العبد الكريم صفحة 19)

القواعد الأساسية التي قامت عليها البنائية الاجتماعية

وقد لخص د راشد بن حسين العبد الكريم القواعد الأساسية التي قامت عليها البنائية الاجتماعية والتي تميزها عن البنائية المعرفية بالآتي:

1-التعلم يتم من خلال الاتصال بالأخرين والتفاعل معهم ومشاهدة التفاعل بينهم

2-هذا الاتصال والتفاعل مهم للتعلم بقدر أهمية النمو الذي ركز عليه بياجيه

3-العلوم والمعارف التي تكونت ويقوم المعلم بتعلمها هي منتجات اجتماعية

4-الاتصال يتم من خلال اللغة التي هي أيضا منتج اجتماعي

 

إذا النظرية البنائية الاجتماعية بنت على ما ابتدأته النظرية البنائية الا انها انفصلت عن البياجية وركزت على عامل التفاعل الاجتماعي وأثره في عمليات النمو والتعلم والتفكير بدلا من تركيزها فقط على دور النضج والنمو في عملية التعلم ودور العمليات العقلية البحتة في التعلم.

لكن كيف تبنى المعارف وفق هذه النظرية؟

اقترح فيليب جونيير في كتابه الكفايات والسوسيوبنائية نموذجا بنائيا لبناء المعارف، فالمعرفة ليست نتيجة لتلق سلبي للموضوعات الخارجية بل هي ثمرة نشاط الذات وهذا النشاط لا يتخذ موضوعا له أي شيء كيفما كان. انه يعالج بالأساس، الأفكار والمعارف والتصورات التي سبق للذات امتلاكها حول موضوع التعلم، سواء كان هذا الموضوع معرفة علمية مرموزه او لا.

محاور الأساس البنائي لبناء المعارف

1-نشاط انعكاسي:

تبني الذات معارفها بواسطة نشاط انعكاسي تأملي منصب على ما تعرفه الذات من قبل، تقوم من خلاله بتكييف معارفها الخاصة مع مقتضيات او مستلزمات الوضعية الي تواجهها ومع الخصائص الي تقوم هي نفسها، بفك رموزها في موضوع التعلم. هذا النشاط انعكاسي بالمعنى الرياضي للكلمة يصنع حلقة حول معارف الذات (أي ينطلق منها ليعود إليها). ثم إن هذا النشاط ديداكتيك يلانه يحمل معارف الذات التي تتفاعل مع موضوع التعلم الجديد، ويجعلهما متكيفين أحدهما مع الاخر على نحو متبادل. ولا يمكن ان يكون ممكنا الا إذا تفاعلت معارف الذات الفاعلة مع المحيط الفزيائي.

2-نشاط الذات

ينصب نشاط الذات بوصفه بعدا بنائيا ليس على الموضوعات الملموسة، بل على معارف الذات التي جعلت في تفاعل مع الوقائع الفزيائية والاجتماعية التي تلتقي من خلالها الذات مع موضوع التعلم وقد يكون هذا الموضوع علوما مرموزة، وبعدها تنصب هذه الأنشطة كذلك على العمليات التي تجريها الذات من غير ان ترتد هذه الأنشطة الى هذه العمليات وتختزل اليها ويتصل نشاط الذات أيضا بنتائج هذه العمليات. فمن خلال تحليل الروابط المنتجة بين فعل الذات وبين نتائج فعلها والخصائص المميزة لتمثلاتها او للموضوعات التي تمارس فعلها عليها، على أساس ذلك كله تتمكن الذات من إقامة علاقات السببية بين الأشياء

3-إقامة علاقة من نوع خاص

ينصب نشاط الذات على العمليات التي أجرتها ثم على نتائجها وكذا ربط العلاقة بينهما أي بين العمليات والنتائج، هذه تعتبر عكاكيز يتوكأ عليها النشاط الحقيقي، والذي ينصب على العمليات وليس المواد الملموسة، وتتخذ العمليات مواد قاعدة ومرتكزا لها  وقد تكون المعارف العلمية المرموزة هي هذه المواد . ان البعد البنائي اذن يستدعي النشاط المنعكس التأملي والديداكتيكي الذي تمارسه الذات على معارفها الخاصة وعلى العمليات التي تجريها على مواد معينة معطاة او على معرفة علمية مرموزة.

4-ديالكتيك انعكاسي تأملي:

وأخيرا فان البنائية ان تفترض حلقة منعكسة على معارف الذات وعلى العمليات التي تجريها فإنها تفترض أيضا ديالكتيكا بين المعارف السابقة لدى الذات وبين المعارف المطلوب بناؤها. فبهذه المقاربة المزدوجة الديالكتيكية والمنعكسة التأملية يمكن للبنائية ان تناسب التعلمات المدرسية التي تشكل العلوم المرموزة موضوعها التقليدي. فالمعارف العلمية ليست مستبعدة من السيرورة التي تم وصفها فهي تحتل مكانا حاسما.

وبعد ما تحدثنا عن التكيف والاستيعاب والملاءمة بقي ان نتحدث عن البعدين التفاعلي والاجتماعي.

5-البعد التفاعلي لبناء المعارف:

بعد ما رأينا عمليات التكيف والاستيعاب والملاءمة سنرى الان البعد التفاعلي في سيرورة بناء المعارف فهذا البعد يستدعي الوضعيات التي تواجهها الذات، وتصطدم معارفها داخلها بموضوعات جديدة، إذا يعني هذا ان هناك تفاعل بين معارف قديمة لدى الذات وبين الجديد المطلوب تعلمه من خلال ما يقدم لها فيه من وضعيات مقرونة بسياقات محددة وتعد المعرفة العلمية المرموزة من هذه الموضوعات التي تلتقي بها الذات في وضعيات وسياقات المدرسة سواء منها المادية والاجتماعية الخاصة. فالتعلمات تنمو بفضل التفاعلات التي تقيمها الذات مع محيطها. وهذا يعني بلغة التعلمات المدرسية ان الذات لا يمكن لها ان تتعلم الا داخل وضعية من الوضعيات. وهذا الجانب مهم جدا لان الوضعيات هي التي تتيح الحصول والتحقق الفعلي للتفاعل الديالكتيكي الانعكاسي بين معرفة علمية ومعرفة سابقة. ان النشاط الانعكاسي التأملي للذات المتعلمة لا يكون ممكنا، اذن، الا إذا كان هناك تفاعل مع المحيط الفزيائي والاجتماعي، والتقاء في هذا المحيط مع موضوع التعلم.

6-البعد الاجتماعي لسيرورة بناء المعارف:

تشكل التفاعلات الاجتماعية في الوسط المدرسي مكونا جوهريا من مكونات سيرورة بناء المعارف. وتتكون هذه التفاعلات الاجتماعية من التبادلات التي تتم بين الاقران من جهة وبين الاقران والكبار من جهة أخرى انها سيرورة معقدة ومركبة ويرتكز هذا البعد على جذور راسخة ثلاثة:

1-      التفاعلات الاجتماعية التي تشير الى الصراعات الاجتماعية الذهنية بين الفرد ونفسه وبين الافراد بعضهم مع بعض

2-      تندرج المدرسة والمعارف العلمية المرموزة في إطار محيط اجتماعي تحكمه غايات ومقاصد

3-      مسؤولية المتعلم الأخلاقية تجاه المعارف التي يبنيها وهي معارفه بالضرورة.

. ويرى فيليب جونيير ان هذه الابعاد الثلاثة البنائية والتفاعلية والاجتماعية متآزرة فيما بينها ووهي تتمفصل اثناء تفاعلها تمفصلا يحقق الانسجام والتماسك والتآزر فيما بينها وكل واحد منها يغذي الاثنين الاخرين على نحو مستمر.

وكتب ري ولويس (David Wray and Maureen Lewis) سنة 1997 مقالا بحثيا جاء فيه: تعطي نظرية التعلم الحديثة اعترافًا أكبر بكثير بأهمية التفاعل الاجتماعي والدعم وتفترض وجهة نظر المتعلم كمنشئ اجتماعي للمعرفة. بالتعاون مع الآخرين، ينشئ المتعلمون:

الوعي المشترك: يمكن لمجموعة تعمل معًا بناء المعرفة إلى مستوى أعلى مما يمكن للأفراد في تلك المجموعة أن يعمل كل منهم على حدة. تستند المعرفة على تفاعل المجموعة.

الوعي المقترض: يمكن للأفراد الذين يعملون جنبًا إلى جنب مع الآخرين الأكثر معرفة أن "يستعيروا" فهمهم للمهام والأفكار لتمكينهم من العمل بنجاح. وصف فيجوتسكي الفجوة بين ما يمكن للمتعلم أن يفعله بالتعاون مع الآخرين وما يمكنه القيام به بمفرده، "منطقة النمو القريبة" ويقترح أن كل التعلم يحدث في الواقع مرتين في المتعلم: مرة واحدة على المستوى الاجتماعي ومرة واحدة على الفرد.

التعلم هو عملية قائمة: نتعلم كل شيء في سياق. هذا ليس مثيرا للجدل. لكن منظري التعلم الحديث يقترحون أيضًا أن ما نتعلمه هو السياق بقدر ما هو أي مهارات وعمليات نستخدمها في هذا السياق (Lave & Wenger، 1991). لقد سعى علماء النفس عبثًا للحصول على "مهارات قابلة للتعميم" وجميع المعلمين على دراية بمشكلة نقل التعلم. لماذا يُحتمل أن الطفل الذي يتهجى عشر كلمات بشكل صحيح في اختبار إملائي، من المرجح أن يتهجى العديد من هذه الكلمات بشكل خاطئ عند كتابة قصة بعد ذلك بوقت قصير؟ الإجابة هي ببساطة أن تعلم الإملاء مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسياق التعلم بحيث لا يمكن تطبيقه بسهولة خارج هذا السياق.

هناك العديد من الأمثلة التي ستكون مألوفة لمعظم المعلمين. في أحد الفصول الدراسية، على سبيل المثال، صادفنا صبيًا كان خبيرًا في اقتباس احتمالات سباق الخيل ولكنه لم يستطع إدارة "مبالغ" المدرسة على الرغم من أن المحتوى الرياضي لها كان في الواقع أبسط بكثير. وبالمثل، يتعين على العديد من التجار مثل مصممي الديكور والنجارين والسباكين إجراء حسابات رياضية معقدة للغاية كجزء من وظائفهم اليومية، ولكن بالنسبة للعديد من الرياضيات، كان من الممكن أن تكون منطقة صعبة بعض الشيء عندما يكونون في المدرسة. أفادت ميدويل (1993) كيف وجدت، في بحثها عن كتابة الأطفال، فتاة واحدة لم تظهر أي دليل على الإطلاق على صياغة أو مراجعة كتاباتها المدرسية ولم تظهر أي وعي بهذا عند الحديث عن كتاباتها. ومع ذلك، كانت هي الجهة المنظمة لنادي لأصدقائها في المنزل وأصدرت مجموعة مكتوبة من قواعد النادي أظهرت عددًا من علامات المراجعة. من المؤكد أنها لم تنقل فهمها من سياق إلى آخر.

التعلم هو عملية ما وراء المعرفة

لقد أثارت فكرة أن المتعلمين الأكثر فاعلية هم أولئك الذين لديهم درجة من الوعي حول مستويات فهمهم لما يتعلمونه قدراً كبيراً من الاهتمام. اقترح فيجوتسكي 1962 (نشر بحثه في هذه السنة بعد وفاته) أن هناك مرحلتين في نمو المعرفة:

أولاً، اكتسابها التلقائي اللاوعي (نتعلم الأشياء أو كيف نفعل الأشياء، لكننا لا نعرف أننا نعرف هذه الأشياء).

 وثانيًا، زيادة تدريجية في السيطرة الواعية النشطة على تلك المعرفة (نبدأ في معرفة ما نعرفه وأن هناك المزيد مما لا نعرفه). هذا التمييز هو في الأساس الفرق بين الجوانب المعرفية وما وراء المعرفية للمعرفة والفكر. يستخدم مصطلح ما وراء المعرفة للإشارة إلى التحكم الواعي المتعمد في الأفعال المعرفية للفرد (براون، 1980). درست العديد من الدراسات البحثية عملية ما وراء المعرفة في قراءة الأطفال والبالغين أي مدى نجاح القراء في مراقبة فهمهم. بشكل عام، كان هناك اتساق ملحوظ في نتائج هذه الدراسات وكانت النتيجتان الأكثر تكرارًا هما:

1-"القراء الأصغر سنًا لديهم القليل من الوعي بضرورة محاولة فهم النص؛ فهم يركزون على القراءة باعتبارها عملية فك التشفير، بدلاً من كونها عملية للحصول على المعنى "(Baker & Brown، 1984، ص 358) ب)" من غير المرجح أن يُظهر الأطفال الأصغر سنًا أنهم لاحظوا عوائق رئيسية أمام فهم النص. ويبدو أنهم لا يدركون متى إنهم لا يفهمون "(Garner & Reis، 1981، p.571). نشأ من هذا العمل كان هناك اقتراح قوي بأنه يمكن تحسين التعلم عن طريق زيادة وعي المتعلمين بعملياتهم العقلية الخاصة.

تنبثق بعض المبادئ الواضحة للتدريس من هذه الأفكار:

-نحتاج إلى التأكد من أن المتعلمين لديهم معرفة / فهم سابق كافٍ لتمكينهم من تعلم أشياء جديدة، ومساعدتهم على توضيح هذه الروابط بين ما يعرفونه بالفعل وما يتعلمونه.

-نحن بحاجة إلى توفير التفاعل الجماعي والمناقشة كاستراتيجيات تدريس، سواء في مجموعات صغيرة لا يوجد بها معلم أو في مجموعات تعمل جنبًا إلى جنب مع الخبراء.

-نحن بحاجة إلى ضمان سياقات هادفة للتعلم.

-نحن بحاجة إلى تعزيز معرفة المتعلم ووعي تفكيره وتعلمه.

 هذه خلاصة بسيطة للنظرية البنائية الاجتماعية وكيف أسست واسهمت في نمو المقاربة بالكفايات فهي بحق قدمت اسهاما عظيما في فهم التعلم عند الانسان وكيف تلعب البيئة الاجتماعية والثقافية مع مكونات الذات الداخلية في بناء المعارف فتزاوج بين أفكار بياجيه وفيجوتسكي على الرغم من تعاكس رؤيتهما واتجاههما الا انهما أسهما بشكل كبير في تأسيس هذه المقاربة.

المراجع:

Lev Vygotski (1896-1934). Pensée et langage, Jacques Lecomte, Mensuel N° 81 - Mars 1998

UNESCO, Paris،: International Bureau of Education)، vol. XXIV، n ° 3/4، 1994

Le développement humain chez Vygotskij Pensée et Langage réexaminé sur la base des écrits de 1925 Mauricio ÉRNICA Cenpec - Centre d´Études et de Recherches en Éducation et Culture,

São Paulo, Brésil

 

د راشد بن حسين العبد الكريم، النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها التدريسية في المنهج، جامعة الملك سعود 2011

 

فيليب جونيير، الكفايات والسوسيوبنائية ترجمة الحسين سحبان مكتبة المدارس، الدار البيضاء طبعة 1 سنة 2005

 

David Wray and Maureen Lewis, Texts and learning:Towards a model of teaching literacy School of Education, University of Exeter, Exeter, EX1 2LU

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع