الفصل الثالث
حمودي نورالدين |
رأينا في الفصل الأول جذور المقاربة بالكفايات ثم الفصل الثاني ملخصا للضغوطات والاكراهات التي تمارسها الليبرالية العالمية على المنظومة التربوية، سنرى في هذا الفصل المقاربة بالكفايات في المنظومة التربوية.دعنا الان نرى هذا المفهوم عن قرب ونحاول فهمه وتحليله اعتمادا على المنهج الوصفي من جهة ومن جهة أخرى سنستعين بمنهج تحليل المحتوى وهما كافيان لتقديم صورة نوعا ما شاملة وصادقة لهذه المقاربة .
مفهوم المقاربة بالكفايات:
مفهوم المقاربة:
هي أساس نظري يتكون من مجموعة من المبادئ يتأسس عليها البرنامج أو المنهاج، ومنه فالمقاربة هي الطريقة التي يتناول بها الدارس أو الباحث الموضوع، أو هي الطريقة التي يتقدم بها من الشيء(tarbiapointcom)
وتعرف كذلك بـ الطريقة التي يتناول بها موضوع ما وتمثل الإطار النظري الذي
يعالج قضية ما.
والمقاربة في التعليم تعرف على انها الكيفية العامة او الخطة المستعملة
لنشاط ما وترتبط بأهداف معينة، والتي يراد منها دراسة وضعية، او مسالة او حل مشكلة
او بلوغ غاية معينة او الانطلاق في مشروع ما. (زوليخة علال)
مفهوم الكفاية:
تمت مناقشة مفهوم الكفاية بالتفصيل في الفصل السابق تحت عنوان مفهوم الكفاية
وتطوره في علوم التربية. وسنعيد ما كتبنا في هذا الفصل:
الكفاية عند التيار الفرنكفوني:
فيليب بيرنو يعرف الكفاية بانها: القدرة على تعبئة مجموعة من الموارد
المعرفية (معارف، قدرات، معلومات.) بغية مواجهة جملة من الوضعيات بشكل ملائم.
اما جيلي فالكفاية هي: نظام من المعارف المفاهيمية (الذهنية والمهارية
العملية) التي تنتظم في خطاطات إجرائية تمكن في إطار فئة من الوضعيات من التعرف
على المهمة-الإشكالية –وحلها بنشاط وفعالية.
حسب وزارة التربية الكيبيكية 2001 الكفاية هي: حسن التصرف savoir-agir المؤسس على تعبئة واستنفار مجموعة من الموارد
واستخدامها.
اما بالنسبة للقسم الفرنسي من بلجيكا فالكفاية هي: القدرة على تشغيل مجموعة
منظمة من المعارف والمهارات العملية والمواقف من اجل انجاز عدد من المهام) مرسوم
المهام 2000.
تعريف دوكتيل" وروجرز" (De Ketele et
Roegiers.2000)
أن "الكفاية هي إمكانية تعبئة -بكيفية باطنية -لمجموعة مُندمِجة مِن الموارد؛
بهدف حلِّ صنف من وضعيات -مسألة.
اما جونائير Jonnaert الكفاية هي "أن يستخدم شخص في وضعيةٍ ما، وفي سياق
محدَّدٍ مجموعة متنوعة ومتناسقة مِن الموارد، استخدامًا ينبني على تعبئة واختيار
وتنظيم هذه الموارد، وعلى عمليات مُلائمة تُمكن مِن معالَجة ناجِحة لهذه
الوضعية".
الكفاية والتيار الانجلوساكسوني:
اما التيار الانجلوساكسوني فان مفهوم الكفاية امتزج الى حد كبير مع مفهوم
الأهداف وفي مرات عديدة لا نستطيع التميز بين الهدف السلوكي والكفاية فنجد في
منهاج واحد مئات الكفايات التي ماهي الا انعكاس لتأثير القوي لتيار السلوكي على
المنظومة التربوية الامريكية رغما هذا حسب فيليب جونير ان هناك تقدم في التقارب
بين التيار الانجلوساكسوني والفرانكوفوني خاصة مع تطور مفهوم الوضعيات في الولايات
المتحدة حيث يقول: الدور الحاسم الذي ادته –الوضعيات-في تطور تصور مفهوم الكفاية،
فقد قلبت الوضعية من جديد، اتجاه القوى المتفاعلة المؤثرة في تطور هذا المفهوم
وارغمت المختصين في علوم التربية على اتخاذ مواقف أكثر اتساما بالنسبية واقل
اتصافا بالمعيارية والالزامية والقبلية، اثناء مقاربتهم للمناهج الدراسية من منظور
الكفايات.
ومما سبق يبدو واضحا تعدد الآراء حول مفهوم
الكفاية ويقول فيليب برينو: لا أحد يُنكِر أنه لا يوجد تعريف توافُقي لمفهوم
الكفاية، البعض يرى أن هذا التوافُق غير ضروري، والبعض الآخَر يرى أن التمييز بين
الكفاية والقدرة واهٍ ويختلف من مؤلف لآخَر (د. مولاي المصطفى البرجاوي)
وفي النهاية نخلص الى التعريف الذي قدمه روجيرس X.Rogers وهو كما يلي: الكفاية هي إمكانية الشخص في
تجنيد بطريقة متداخلة لمجموعة من الموارد المدمجة من أجل حل عائلة من الوضعيات
مشكلات. وهذا التعريف أكثر إجرائية وتحديد ويسمح بوضع مفهوم الكفاية في اطارها
التربوي.
إذا يمكننا ان نستنتج من التعاريف السابقة ان الكفاية هي:
موارد يتم تعبئتها لحل وضعية مشكلة
مفهوم الموارد:
انطلاق
من التعاريف السابقة فهذه الموارد تكون معرفية وحس حركية ووجدانية.
كلمة
موارد هي كلمة اقتصادية تعني الأشياء المادية او الملموسة لكن مع مرور الزمن تغير مدلول
الكلمة ومفهومها فأصبحت الأشياء الغير المادية هي كذلك موارد فقيمتها السوقية أكثر
بكثير من الأشياء المادية. ويعرف Yogesh
الموارد الغير ملموسة بانها قوة ذهنية متكاملة تضم تشكيلة من المعرفة
والمعلومات والخصائص الفكرية والخبرات الابداعية التي يمتلكها العاملون في المنظمة
والتي تعد الموارد الرئيسة للاقتصاد العالمي في يومنا هذا (الدكتور سعد العنزي).
ويعرف العنزي الموارد بأنها المعرفة المفيدة التي
يمكن توظيفها واستثمارها بشكل صحيح لصالح المنظمة.
وفي
المنظومة التربوية تكون هذه الموارد على شكل معارف ومهارات وقيم وجدانية يكتسبها التلميذ
من وضعيات تعليمية تعلمية، فهذه الموارد تتصف بالنزعة البراغماتية فهي موارد توظيفية
في حياة التلميذ ومُساعدة على تكييفه مع الوسط الحياتي، فاكتساب هذه الموارد ليست لأنها
مهمة في حد ذاتها بقدر ماهي ضرورية في رفع التحديات التي سيواجهها في المستقبل، ومن
هنا تأتي أهمية تحديد هذه الموارد التي سيتم تعبئتها لمواجهة وضعية مشكلة التي هي صورة
تقريبية لوضعيات حقيقية. فضبط هذه الموارد يطرح إشكالية معقدة على
المستوى المنهجي وعلى المستوى النفس معرفي وعلى المستوى النقل الديداكتيكي.
فالبحث عن الموارد التي ستعبأ اثناء وضعيات التقويمية والتي ستشكل محتوى
التعليم والتعلم ليس بالأمر السهل فهي تتطلب تفكيك للمهام المرصودة للاكتساب،
فإنجاز هذه المهام يتطلب تركيبة معرفية مهارية وجدانية متفاعلة فيما بينها مكونة
نظاما معرفيا يطلق عليه البعض (خطاطات إجرائية) يصعب توصيفه فهو يختلف عن نظام
البرمجيات الذي يُحدد بنائه بأوامر وتعليمات تتبع خوارزميات معينة. فقد سقطت في
السابق المقاربة بالأهداف في أجرأة هذه العملية لدرجة انها أجرأة الجانب الوجداني
بشكل ميكانيكيي دغمائي انطلاقا من التحليل المهمة الى سلوكات بافلوفية مثير استجابة
الشيء الذي جلب لها عواصف من الانتقادات القوية. فهذا الباراديغم الذي يعتمد على تَجْزِيء متناهي الصغر للمعرفة أدى الى انحراف بوصلة التعليم
وجعلها تغرق في بحر تحديد الأفعال السلوكية الإجرائية التي يصعب تركيبها في ذهن
المتعلم فيما بعد. فالمقاربة بالكفايات تريد تجاوز هذا التفكيك السلوكي الاجرائي لتعلم،
فهي تركز على الكفاية المراد اكتسابها وبالتالي لا تكون هناك معرفة مفككة، بل الكل
متكامل من المعرفة او الموارد (معرفية، حس حركية، وجدانية، اجتماعية، سياقية).
فهذه الموارد السابقة في المقاربة بالكفايات يتم تحديدها الى موارد داخلية
وموارد خارجية
الموارد الداخلية يقصد بها كل الموارد التي يمتلكها الفرد فهي تتضمن
الموارد المعرفية والحس حركية والاجتماعية والوجدانية
الموارد الخارجية هي الوثائق والسندات والأدوات التي يكون المتعلم
بحاجة إليها.
المصدر:الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي، المملكة المغربية |
يتم تناول هذه الموارد في مشكلات او مشاريع او نصوص او أسئلة وهذا التناول
يسعى الى حث المتعلم على الاستكشاف والتأمل أي الخلق اضطراب معرفي لدى المتعلم
الشيء الذي يؤدي الى حالة فقدان التوازن المعرفي لدى المتعلم فيسعى الى البحث عن طريق المعلم
او الكتاب المدرسي اوعمل جماعي او الأنترانت عن صياغة مقبولة للمفهوم او المبدأ او
حل لمشكل بأنفسهم ويؤدي هذا الى اعادة حالة الاتزان المفقودة في المرحلة السابقة حيث
تحدث عمليات التنظيم والمماثلة والمواءمة في التراكيب المعرفية للتعلم. ايضا النقل الديداكتيكي
أو التحويل الديداكتيكي على أنه نقل المعرفة من فضائها العلمي الخالص إلى فضاء الممارسة
التربوية لتناسب خصوصيات المتعلمين النفسية وتستجيب لحاجاتهم عن طريق تكييفها وفق وضعيات
تعلّمية يطرح بدوره معايير اختيار الموارد وتكييفها للوسط نفسي الاجتماعي الثقافي
للمتعلم فإدخال النصوص والقصص والصور في الكتاب المدرسي يتحتم على المصمم ان يقوم
بفحصها وغربلتها واخضاعها لمراحل النقل الديداكتيكي وهنا كذلك تجدر الإشارة وهي ان على المصمم ان يتحرى اليقظة
الديداكتيكية و ذلك بإزالة الشخصنة وتجريد المعرفة من الرواسب الذاتية .
من هنا يتضح الصعوبة المنهجية ونفسمعرفية والديداكتيكية في تحديد هذه
الموارد الداخلية والخارجية وهذا ما اوجدا قلقا معرفيا لدى مصمم المنهاج والاستاذ
والمتعلم على حد سواء.
وضعية-مشكلة:
مصممة لتعبئة الموارد وترسيخها، في وضعية شبه حقيقية، اين يتم وضع التلميذ في
وضع اكتشاف ودمج المعرفة الجديدة من خلال تنفيذ استراتيجيات حل المشكلات وهنا
يكتشف التلميذ ميزات تعلمه وكيفية استثمار هذا التعلم في وضعيات حقيقية مستقبلية
انها وضعية دمج للمكتسبات واعادة بناء المعارف السابقة مع الجديدة في بناء متناغم
جديد مرن يسمح بدوره بإضافة معارف اخرى كلما اتاحت له الفرصة لذلك، وهذا كله يهدف
الى تكييف تعلمات المتعلم مع الواقع.
ويعرفها فيليب ميريو 1988 انها وضعية تعلم منظمة من طرف الأستاذ تخضع
للخصائص الاتية:
تنمي لدى التلميذ الرغبة في التعلم
تقود التلميذ الى إتمام المهمة التي تمثل بالنسبة له مشكلة بأتم معنى كلمة
مشكلة
المهمة تلزمه بممارسة التعلم
هذا التعلم مرتبط ببناء العملية العقلية المستهدفة
هدف التعلم يتضمن الهدف كعائق
عوائق المهمة التي تحدد بناء المعرفة وتتطلب مجموعة
متنوعة من الاستراتيجيات
تعلم.
ويضيف دي كاتل أن الوضعية تتكون من ثلاثة مكونات هي:
دعامة: وهي مجموع العناصر المادية التي تقدم للمتعلم.
مهمة: أو مهمات أو أنشطة وهي ما سيقوم به المتعلم.
التعليمات: وهي
مجموعة التوجيهات العملية التي تعطى للمتعلم بصفة صريحة
أنواع وضعية-مشكلة:
-وضعية-مشكلة ديداكتيكية
هذه الوضعية تدخل في العمل الديداكتيكي خاصة مع بداية الدرس فالهدف منها هو
تعليم وتعلم وذلك بخلق وضعيات تحث المتعلم على البحث والتقصي وطرح أسئلة حول
المشكلة التي هو بصدد حلها فيبحث مع زملائه إذا كان عمل جماعي او لوحده في المنزل إذا
كان مطالبا بتحضير الدرس مسبقا او في الصف الدراسي مع الأستاذ عن الموارد التي تسمح
بإعادة التوزان المفقود من الوضعية المطروحة، فهي إذا تعمل على تدريب المتعلم على كيفية التعلم. اهدافها:
-إكساب المتعلم مجموعة من الموارد الجديدة.
- بناء موارد جديدة على خطاطة قديمة.
وهذه الوضعية تكون في منطقة النمو القريب The zone of
proximal development ZPD لكي تسمح للمتعلم بالاشتغال
عليها وهي تتطلب مساعدة خارجية سواء من المعلم او مجموعة زملاء او مساعدات من جهات
أخرى :أنترنت ... لان التعلم يتم بوجود البعدين التفاعلي والاجتماعي مع التكيف
والاستيعاب والملائمة. فتخطيط الوضعيات –مشكلة ديداكتيكية ينطلق من تحديد الخطاطة
الحالية للمتعلم والهدف المسطر وعليهما يتم تحديد منطقة النمو القريب للمتعلم التي
تصف المسافة بين المهام التي يمكن للمتعلم القيام بها
بنفسه وتلك التي ينجح في تحقيقها بمساعدة شخص أكثر تقدمًا في هذا المجال. لذلك فإن
ZPD هو كل ما يمكن للمتعلم إتقانه عند تقديم
المساعدة المناسبة (انظر النظرية البنائية الاجتماعية).
-وضعية-مشكلة إدماجيه:
تهدف الى إدماج التعلمات السابقة المنفصلة وتوظيفها في
بناء تعلمات، فهي أنشطة تتطلب من المتعلم استحضار التعلمات السابقة المنفصلة
والمترابطة وظيفيا (فقد تم تعلمها بشكل منفصل رغما انها وظيفيا مترابطة ولكن
لاعتبارات منهجية تربوية تمت تجزئتها)، وادماجها في بناء تعلمات جديدة، فهي تنجز بعد فترة قد تكون أسبوع او
ثلاثة أسابيع او أيام او ساعات وهذا حسب طبيعة التعلمات المراد ادماجها عند المتعلم،
وتهدف على العموم الى:
-السماح للمتعلم بتعبئة مهاراته المكتسبة في صورة ما يحدث
في الواقع.
-المصادقة على ما تم تعلمه من حيث حل المشكلات، وليس من حيث
مجموع المعرفة والدراية.
-جعل التعلم أكثر فعالية
-إقامة روابط بين مختلف المعارف والمهارات والمواقف.
-وضعية-مشكلة تقويمية
وهي وضعية تسمح للمعلم والمتعلم
بتقويم الكفاية او مجموعة من الكفايات. وذلك بتقويم قدرة المتعلم على إدماج التعلمات في سياقات مختلفة، ووفق
معايير محددة. ويعتبر النجاح في حل هذه الوضعية-المشكلة دليلا على التمكن من الكفاية. فهذه الوضعية تحاكي الواقع سواء معرفياً (كل
الموارد) او سياقياً (سياق اجتماعي ثقافي) فهي صورة شبه حقيقية لما سيواجه المتعلم
في الواقع، هذه الوضعية يمكن ان تكون في النهاية لتكشف عن مدى تحكم المتعلم في
كفاية او مجموعة من الكفايات فهي إذا تقويم نهائي، كما يمكن ان تكون على شكل
تقويمات تكوينية هدفها ليس فقط تقييم مدى التحكم في كفاية بالقدر ما تهدف الى
البحث عن النقائص التي تتطلب دعم من طرف المعلم عن طريق حصص دعم تقوِم الخلل المسجل
عند المتعلم كما يمكنها ان تكون تشخيصية هدفها تقويم المعارف السابقة والتي لها
علاقة بالكفاية الحالية .
المراجع
زوليخة علال:تعليمية نشاط التعبير الكتابي في ضوءالمقاربة
بالكفاءات,مذكرة الماجستير جامعة فرحات عباس 2009-2010
-الدكتورة بوخاتمي زهرة: النقل الديداكتيكي، كلية الآداب واللغات والفنون جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس -الجزائر
-فيليب جونير: الكفايات والسوسيوبنائية
إطار نظري
-الدكتور سعد العنزي: دور الموارد غير الملموسة
في تعزيز أداء مكاتب المفتشيين العامين
-مركز النهى للدراسات والأبحاث التربوية: المرجعيات البيداغوجية للمقاربة بالكفايات، لجنة التكوينات
-الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي، المملكة المغربية
تعليقات
إرسال تعليق